بات من الواضح أن كل الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها الحكومة الموريتانية تهدف لشيء واحد هو حصر الناس في بيوتهم أطول فترة ممكنة، للعيش في سبات، بعيدا عن التجمع وتبادل الزيارات والمناسبات الاجتماعية التي يمكن أن تكون بؤرة لنقل وباء انهارت امامه دول عظمى، كأمريكا التي اعلنت حالة طوارئ، وإيطاليا التي تحصى موتاها بالمئات يوميا حيث وصلت الحصيلة المرشحة للزيادة ل7400 وفاةوإسبانيا 3400 وفاة وفرنسا 1331 وفاة.
وسجلت الجزائر 31 وفاة، وفي تونس سجلت خمس وفيات.
بينما سجلت الصين انحسارا للفيروس، وبدأت تتعافى، خاصة بؤرة الفيروس ووهان التي لم تسجل أية إصابة لليوم الخامس على التوالي.
إذا.. على الأسر الموريتانية الوعي بأن إغلاق المؤسسات التعليمية العليا والأساسية، ليس مناسبة للعطل والتفرغ للزيارات الودية، فلم تعد الزيارة صلة وإنما توصيلا للفيروس القاتل لباب منازل الأقارب والأصدقاء والجيران.
لقد بدأ الجميع بما فيهم أفرقاء السياسية يتوحدون خلف قرارات الدولة، و”مدو الرقبة” بقرار الحجر الكلي بعد غلق الأجواء والطرق والمنافذ البرية والمينائية أمام حركة تنقل الأفراد.
وكذلك كان تجاوب المواطنين مع هذه القرارات الحازمة تجاه صحتهم وبقائهم.
فرغم مشقة عدم وجود الكلئ بالنسبة للمنمين في الأِشهر القادمة حيث أوصدت أمامهم الحدود مع جمهورية مالي وبات “لعزيب” حلما بعيد المنال، إلا أنه يهون أمام الخطر الذي يتهدد صحتهم لأنهم وعكسا لما يقول المثل الشائع قد تكون هذه المرة في الأنفس بدل الكباش لا قدر الله.
إن كافة فعاليات المجتمع المدني والسياسي مطالبة اليوم بالقيام بواجباتها تجاه الوطن والمواطن بالتوعية، لأن المؤسسات السياسية يتلخص دورها في الخطاب والبرامج وليس فقط جني المكاسب والمقاعد الانتخابية .
وعليهم تأجيل مناوشاتهم وخطاباتهم العنصرية وغيرها، ومناكفاتهم السياسية لتسجيل النقاط ضد بعضهم البعض، فالوقت ليس وقتا لإلهاء الدولة عن مسارها لتعزيز المنظومة الصحية والوقائية، و التي تتطلب الوحدة ،وهو ما بدا أن الجميع يهدف له حتى الساعة، من أعلى هرم السلطة، وحتى رجل الشارع، حيث بدأ رئيس الجمهورية اتصالات بالطيف السياسي والمجتمعي حول وباء الكورونا، وعيا منه بضرورة تلاحم الجميع في هذا الظرف الحساس.
كما على النقابات وغيرها تأجيل عرائضهم المطلبية ووقف التظاهرات الاحتجاجية أمام حائط المبكى بانتظار تسليم بياناتهم للقصر.
وعلى تجار الأزمات والحروب الكف عن محاولة جني الأرباح المضاعفة في زيادة الأسعار، للمواد الطبية والأساسية.
لقد وضع هذا الوباء مليارديرات البلد أمام اختبار حقيقي نجح فيه العديد منهم في تقديم يد العون بسخاء ومن ابرزهم رجل الأعمال العائد للوطن في فترة بدا أنه بأمس الحاجة له، حيث تبرع محمد ولد بوعماتو بمليار ومائة مليون أوقية وكذلك فعل محمد ولد انويكظ، وآخرين.
كما على الموظفين السامين ومشاهير المجتمع وطبقته المخملية، وعلى الأدباء والفنانيين والرياضيين أن ينسوا ذواتهم لتقديم المناصرة الضرورية الآن.
وعلى الدولة كذلك مد يد العون للباعة الصغار في الأرصفة، وسماسرة النقل الطرقي وغيرهم من الفئات الهشة،من أجل منحهم ما يسد رمقهم بعد حجب المشترين عنهم.
لقد كان من حسن الحظ أن خيارات رئيس الجمهورية بدأت تؤتي ثمارها في عجم عيدان الأشخاص المؤهلين لعضوية الحكومة، حيث يتصدر الصف الأمامي في الحرب الضروس ضد الكورونا الدكتور نذيرو ولد حامد وهو خبير دولي في مكافحة الأوبئة، كما أن رئيس الدبلوماسية الموريتانية مبعوث أممي سابق لمكافحة وباء أيبولا في أفريقيا، ويتعلق الأمر بوزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وغيرهم من الوزراء اللذين ابدوا جدية وحزماً في لجان خلية الأزمة.
وعوضا عن ذلك كانت الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها حكومة الوزير الأول اسماعيل ولد الشيخ سيديا فعالة لحد الساعة، في تقليص رقعة الوباء، والتي تضمنت إجراءات سيادية قاسية على الدولة والمجتمع، لكنها ذات وقع إيجابي فعال، وكما يقول المثل “أخير ليرعاه سابك تلحك”.
وبقي على المواطن تحمل العبئ الأكبر، دينياً وأخلاقياً وقانونياً، فلا تكون الحشرة الصغيرة أكثر رشداً منه، حيث أمرت النملة اترابها بالدخول في جحورهم حتى لا يحطمنهم سليمان وجنوده.
صحيح أن الاجراءات الاحترازية اللتى تقوم بها الدولة الموريتانية تشكر عليها في ظل هذه الظروف الصعبة