رأي

اعل ولد اصنيب يكتب: كيركرات..عزف في ناي التفرقة

في تلك السنة تأخر موسم الأمطار وغاب تدخل السلطات الإدارية في الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر كذلك، فلا ماء ولا مرعى للمواشي ولا غذاء ولا دواء ولا مدارس للأطفال…لاشيء على الإطلاق الا الندرة والفقر المدقع.

وفي هذه الظروف المزرية قررت الجماعة عقد اجتماع طارئ لدراسة الوضع بشكل معمق، فجاء تشخيص الحالة بسرعة وكان واضحا وضوح الشمس للجميع عكس العلاج الناجع الذي كان صعب المنال، وبعد نقاش مطول توصلت الجماعة الى تصور شكل أخف الضررين.

حسب اغلب حكماء الجماعة لم تعد الحلول الاقتصادية ولا الإدارية تجدي بل العصا السحرية إينتربولوجية أي تغيير الإنتماء الثقافي للتخلص من الإهمال والفقر للحصول على الرفاه الإجتماعي والسعادة.

 إن الظلم الواقع على طبقة لحراطين قد طال أكثر من اللازم وعليه حان الوقت للتخلص من هذه الاغلال السوسيو-ثقافية الضئيلة المنفعة .

ما الواجب عمله إذن؟ مسبقا لم يعد الانتماء العربي مطروحا فعمر البشير ” السوداني” مثلنا مطلوب من قبل محكمة الجنايات الدولية، والقذافي فارق الحياة وكذلك صدام.

إذن فلنشد الرحال الى السونوكيين , ولنذهب بسرعة للقاء جآورا رئيس أقرب قرية سونوكية وابلاغه بالقرار الذي اتخذناه.

سلك الوفد الطريق، وبعد نصف ساعة وصل ماصه ورفاقه إلى القرية وعقدت الجلسة، وتم الكشف عن هدف الزيارة.

أخذ جآورا الكلام ورحب بوفد الأقارب الجدد وأعلن باسم الجميع سواء كانوا مجاورين، أو في عموم غرب إفريقيا انتساب حراطين كركيرات إلى مكونة السنونوكي، و أشار بإصبعه إلى المكان الذي يسمح لهم بالسكن فيه : في أقصى جنوب القرية حيث يوجد الحي الخاص بالمحررين .

 أما بخصوص النقاط الأخرى مثل محاربة الفقر والنفاد الشامل إلى الخدمات الأساسية، فقد التزم جآورا -بشكل رسمي- بلقاء حاكم كوبني للحصول على الحل العاجل للموضوع، وأضاف أن بعض القصاصين والشعراء والمربين سيوضعون تحت تصرف الوافدين لتعليمهم لغة وآداب وتاريخ وفن وعادات وعلم اجتماع … كل ثقافة شعب الماندينغ. بعد اللقاء مع الحاكم وإخباره بما حدث، وعد ممثل الدولة ببذل كل الجهود الممكنة لتحسين الظروف المعيشية لجميع القرى التابعة له، وخاصة هذه القرية بالذات.

 وعليه سيحيل الامر كالمعهود إلى وزير الداخلية احمدو ديكوه الذي سيطلع بدوره رئيس الوزراء يحي سيبه على طلبات الجماعة كما سيبلغ هذا الاخير رئيس الدولة محمد حيدره على كل تفاصيل قضية كركيرات. ومرت الأيام والشهور ولم يري أي برنامج حكومي النور في القرية وفي اجتماع مجلس الوزراء الأخير تم تحويل الحاكم إلى انبيكت لحواش. ماهذا ياترى ؟ انه قدر الله.. لعل السبب هو كون ماصه، وجاورا، لم يأخذا برأي الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله قبل اتخاذ القرار؟.

 وكان من بين الحضور شاب تخرج حديثا من قسم علم الإجتماع في جامعة انواكشوط واستمع إلى جوقة الحسرات والرجوع على الحظ العاثر، فتدخل قائلا للجمهور إن عدم المساواة والظلم الإجتماعي وكل مشاكل التخلف وانعدام التنمية يتم حلها بطرق أخرى غير هذه …!

 طرق المجتمع المدني : الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، والمنظمات غير الحكومية، وأن مواطنا أو مجموعة من الموطنين قد يحصلون على ما يريدون دون التخلي عن الهوية الثقافية، -فالشخص مثلا إذا لم يوافق على توجهات حزب معين قد يخرج منه ويدخل في حزب آخر، وفي السياسة يسمح لك التحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.

 لكن التنكر للموروث الثقافي للأجداد، والذي يعود إلى عدة قرون، شيء غير واقعي، وشبه مستحيل .

ماهو الرابط أصلا ؟ صدقوني أيها الأعزاء، ويا أقاربي الكرام إن الخيارات الأيديولوجية والحلول الخيالية هي ألد أعداء العقل والرزانة، عودوا إلى دياركم واحذروا من السراب والوعود الكاذبة فهذا كله عزف في ناي التفرقة!

*قصة مترجمة للكاتب باللغة الفرنسية

*كيركرات تجمع من آدواب يقع بالقرب من مدينة كوبني على بعد عدة أمتار من الحدود المالية الموريتانية.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى