بين تكذيب سفارة فرنسا وفرمانات الحكومة/ المامي ولد جدو
7 مارس، 2020
المامي ولد جدو
لم تمضي ساعات على إصدار السفارة الفرنسية المعتمدة في نواكشوط توضيحا كتب بلغة الضاد ينفي تأطير السفير الفرنسي موريتانيين زنوج للتمسك بترجمة اللغة الفرنسية تحت قبة البرلمان، حتى اصدرت وزارة الصحة الموريتانية تعميما باللغة الفرنسية حول حجز فترة سبات فيروس كورونا للدول الاكثر تضررا من الوباء.
وهو شيء يوضح بجلاء أن إدارتنا تعيش في سبات عميق عن روح الدستور وهوية المجتمع العربية الأفريقية، سببه فيروس اسمه الفرنسية.
وقد يقول قائل بأن فرمان وزارة الصحة موجه لمنظمة الصحة العالمية، للتأكيد على أن موريتانيا تلتزم بالإجراءات التي فرضتها المنظمة من أجل الحد من انتشار الكورونا، ولكن بالمقابل أليست اللغة العربية لغة معتمدة في المنظمة العالمية وحتى في الأمم المتحدة نفسها.
وفي الوقت الذي نأى فيه روبرت موليي بنفسه عن مخطط إعلامي وثقافي خطير ومدروس لتثبيت لغته الأم داخل اروقة البرلمان الموريتاني، بالتعاون مع ثلة من الفرنكفونيين المستلبين ثقافيا، كما اشاعت بعض المواقع الإخبارية، تأتي التعميمات الحكومية مكتوبة للشعب الموريتاني باللغة الفرنسية، بعيدا عن احترام هوية هذا الخليط المتعدد والغني من الأجناس والأعراق واللهجات في موريتانيا .
واختار السفير الفرنسي صورته التي نشرت في التوضيح بعانية، حيث يظهر العلم الموريتاني بجانب العلم الفرنسي ليوحي بأن هدفه الأساسي هو تعزيز علاقات البلدين في جو من الندية والاحترام بين الدول .
الحقيقة أن اللغة الفرنسية لغة أدب وعلوم وتاريخ، ولغة الاتيكيت والدبلوماسية، ولسان دولة صديقة، ولكنها ليست لغة موريتانيا ولا ثقافتها .
و الفرنسيين ليسوا أجدادنا، كما يؤكد الأكاديمي الفرنسي جون بريفو ، في كتابه اسلافنا العرب Nos ancêtres Les ARABES، في إشارة للتعبير الفرنسي الرائج”أجدادنا الغاليون”.
والذي استعرض فيه علميا مدى التأثير العميق للغة العربية على اللغة الفرنسية، مبرزا بأنها تأتي في المرتبة الثالثة من حيث المصطلحات التي تستخدم في لغة موليير بعد الإنجليزية والإيطالية متقدمة على البرتغالية والإسبانية.
وهنا في موريتانيا وتطبيقا لمساعي المتشبثين بلسان الفرنجة في الإدارة ومؤسسات الخدمات، لا يكاد المواطن -الذي بالكاد يمكنه قراءة اسمه- ينجو من الفواتير والوصفات الطبية، واللافتات الطرقية، والفحوص المخبرية التي تكتب بلغة بلاد الغال، عوضا عن ما تقوم به الإدارة من مراسلات بلغة اجنبية، و ازدواجية إجابة الرئيس والوزراء والضيوف الأجانب على لغتين إحدامها أصيلة والأخرى مستوردة في كثير من الأحيان لا تعبر عن ثقافة و لغة السائل أو المسؤول.
الغريب في الأمر أن معظم الدبلوماسيين المبتعثين إلى موريتانيا يتم اختيارهم على اساس إتقانهم للغة الفرنسية وليس العربية، التي يرى فيها دعاة التفرنس أن زمنها انتهى ويجب أن تدخل إلى متحف التاريخ، مع أن العربية هي اللغة الرابعة عالميا، ودارسوها والمقبلون على تعلمها يتزايدون يوما عن يوم في كل أرجاء المعمورة، عكس اللغة الفرنسية التي ينحسر إشعاعها يوميا عبر العالم.
وأغلب المتمسكين بالفرنسية –عندنا- من ابناء العائلات الذين ولدوا بملاعق من ذهب في أفواههم ورضعوا الفرنسية مع حليب أمهاتهم، وبعض الشرائحيين اللذين ينظرون للفرنسية على انها المخلص من هيمنة “لارابيزا” ومسمارا يدق في نعش الهوية العربية، التي يرون فيها تكريسا لسطوة عرق على آخر وفق تصورهم، لذلك يرفعون لواء الدفاع عن التفرنس.
هناك فرق بين تعلم الفرنسية كلغة عالمية، و وبين استعمالها كمعول لهدم مؤسسة ضامنة للهوية كاللغة العربية، لصالح لغة أخرى تحمل قيم مغايرة، وهوية بعيدة كل البعد عن قيم وهوية المجتمع الموريتاني.
فرغم المشترك الإنساني بيننا والشعب الفرنسي، ورغم أن سعادة السفير قد لا يكون بعيدا عن موضوع تكريس لغة الارشيدوقات في موريتانيا، إلا اننا نتمسك بلغتنا التي يعترف الفرنسيون أنفسهم بقدم السبق لها.