الرئيسية / كتابنا / بين تكريس الطوطم ومحاباة المجتمع/ مولاي عمر
بين تكريس الطوطم ومحاباة المجتمع/ مولاي عمر
لا يحز في نفسي أن أرى عاميا يحامي باستماتة عن فكرة ظلامية ..أو وهم مقدس اجتماعيا ..أو طوطم من طواطم الجهة أو القبيلة ! الكارثة الكبرى بالنسبة لي هي أن أجد نفسي أمام باحث نمطي الرأي .. لا تسبح الغوغاء وأخلاط العامة بصنم جماعي إلا صلى في محرابه وقدم القرابين ..سواء كان ذلك الصنم فكرة .. أو شخصا .. أو عادة أو تقليدًا .. أو نصا .. أو توجها ! ولا يتعلق الأمر بالدين فقط .. فحتى في مجال السياسة والأدب وعلم الاجتماع ..يظل رأس مال الباحث من المعارف، في جهة، وما يصدر عنه من أقوال وتصرفات في جهة أخرى .. فدراس علم الاجتماع يقرأ عن ابن خلدون ودوركهايم وأوغست كونت ..وبول إيكمان..وكارلو بيتريني.. وألفريد شوتز .. وغيرهم.. لكنه يبقى عالم اجتماع مع وقف التنفيذ! والمتخصص في الأدب يهضم النقد من لدن ابن سلام الجمحي وابن رشيق وقدامة بن جعفر وابن قتيبة والقاضي الجرجاني وعبد القاهر .. وسواهم ..وصولا إلى طه حسين ..وميخائيل نعيمة ..وبنيس.. وآدونيس.. وكليطو.. وصبري حافظ .. وصلاح فضل ..وخالدة سعيد… وإدريس بلمليح …وسعيد يقطين .. وبنكراد.. والقائمة لا نهائية.. ويطلع على النظريات السياقية والنصية و”التركيبية” والثقافية والاجتماعية.. في هذا الإطار .. ولا يملك من الجرأة ما يجعله قادرا على رفض السائد والمألوف والاعتراض على التيار المهيمن الذي يشيع الثبات السلبي في الأدب شعرا ونثرا ! مامعنى أن يكون الأسلوب العام للكتابة النثرية في دولة بأكملها يحاكي طريقة الكتابة في العصر العباسي أو الأموي .. ويعتمد التضمين والاستشهاد أكثر من التعبير الخاص بالكاتب ..حتى إنك تجد النص ..وليس لصاحبه منه غير ربط نصوص متفرقة وجذاذات جذب أطرافها من هنا وهناك.. وتُفجَأُ بالقراء يهللون له ويكبرون ! وجل ما فعله أن أعاد إنشادَ أبيات مبتذلة عن طريق الكتابة ! إنك لا تكاد ترى مقالا إلا وتصادف فيه أبياتا من قبيل : أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم … من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أومن قبيل : كناطح صخرة يوما ليوهنها ..فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل أو : وإذا أراد الله نشر فضيلة ..طويت أتاح لها لسان حسود .. أو ما عدا ذلك من القوالب الجاهزة التي تمارس تأثيرا مُعمِيا على القارئ التقليدي ..السهل الانقياد ..الذي يقع في مصيدة التهويل وينجر وراء البهرج والمرويات المتداولة! والغريب أن النقاد وأصحاب التخصصات الأدبية الذين درسوا عيوب الكتابة ..ولهم نصيب من البحث في نقد النثر قديما وحديثا .. لا يكلفون أنفسهم عناء تمييز الغث من السمين .. أو تنبيه القارئ والكاتب إلى خطورة خط السير الجمودي الذي يسلكانه! والمتخصص في الفلسفة والفكر .. الذي تخرج من مكتبة أفلاطون وسقراط وأريسطو ..وأخذ عن نيتشه وكانط وديكارت ونهل من فكر الجابري ومالك بن نبي .. وعرف السفسطة وخطورتها .. واستأنس بفكر فلاسفة عصر الأنوار .. وألم بتفاصيل عصور الظلام ..التي قايضت فيها الكنيسة مصائر الشعوب بمصالح القساوسة والكهنة .. يقف صامتا أمام انجراف المجتمع وراء الخرافة ..ولا يحرك ساكنا ! لا شك أن كل باحث يعاد تركيب ذهنه وسلوكياته من طرف محيطه العائلي والقبلي كلما تشبع بمستوى جديد من المعرفة .. أتذكر في هذا السياق بعض الشباب الصادقين الجادين في إسقاط الأقنعة التي تحجب وجه الحقيقة ..والذين تم كسر أقلامهم وتكميم أفواههم بأوامر من عوائلهم بدعوى الخوف من العزلة الاجتماعية والحرمان من التوظيف ! لكن هذا ليس مبررا .. فالمثقف ذو رسالة وإلا لا يكون ! والواقع أنه لا مثقف في أرضنا انطلاقا من المبدأ أعلاه.. وفي ظل الوضع الذي نحن أمامه، حيث المجتمع ينكفئ على ذاته ..مواصلا دورانه حول النقطة ذاتها ..مباركا أخطاءه الجسيمة .. ومقدسا خرافاته .. ومتجها بسرعة الضوء إلى الهاوية، يحق لنا التساؤل : مافائدة المثقف أو الباحث إذا لم يقوم اعوجاجات مجتمعه أو يحاول ذلك؟! إنما هي أقلام وقراطيس تضيع سدى .. ويعود الباحث ليلتحق بركب الجماعة لم يضف إليها ..سوى أنه يوظف مكتساباته العلمية في تبرير هفواتها ..وإقناعها بما تمليه عليه عواطفها- والعاطفة صديقة الخرافة- وإيهامها بأنها تسير على الطريق المثالي القويم.