هناك من يعتقد أن الصراع على السلطة ينبغي أن تعدل قوانينه ليكون الفشل ليس ضمن عوامل الحيد السياسي .
بل ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك بربط الديمقراطية بتساوي فرص النجاح .
واللعبة ليست على ذلك النحو ..
ففي كل بلدان العالم يستقر التنافس بين أحزاب كبرى وقوية ، وهي ظاهرة فرز ونخل بموجبها يموت الضعفاء ويتحلل الفاشلون في عالم السياسة إلى مشارب الحياة التي تستوعب نوع شغفهم .
ففي الولايات المتحدة – مثلا – هناك الكثير من التفاصيل التي تسبق رؤيتنا لمرشح يفوز بمنصب الرئيس ، فهناك عملية نخل قاسية لا يتجاوزها غير أصحاب الشغف المشفوع بسجلات أداء قوية .
فهناك بديات تتعلق بالعمل في ميادين الأحزاب وفي ورشات المرشحين ، ينفق فيها الشباب وقتهم وجهدهم ومالهم وهم لا ينتظرون ما ينتظره أصحاب المبادرات في هذه البلاد .
تلك مرحلة مهمة يمتحن فيها الصدق ، وهي مرحلة تتربع على سنوات الجامعة وما بعدها وقد تطول أكثر من ذلك .
بعدها تأتي مرحلة التقدم في سلم المهام الإدارية للحزب وهي مرحلة يحددها الشغف والإيمان والدأب في خدمة المؤسسة .
وأثناء الاجتماعات والفعاليات وتدافع الآراء وتحمل ضغط المهام الميدانية ، يتم تحديد الأفضل والأكثر حضورا وفعالية ليتقدم رويدا رويدا في للمناصب الانتخابية داخل اللجان والاتحادات التابعة للحزب .
وهناك تمتحن الشخصية والكاريزما وقوة الخطاب وذكاء البرامج وفاعليتها .
في هذا الجزء من رحلة المنتسب تتم صناعة اسمه باعتباره منتجا سياسا قابلا للريادة والحياة ، وهي المرحلة المناسبة التي يقدم فيها للناس عمدة ثم حاكما ثم يدخل في الملحمة الكبرى للفوز بقرار الترشيح نفسه ليكون مرشحا للرئاسة عن الحزب .
يدخل الحزب الانتخابات بمرشح تم اختبار كل مهاراته ( الخطابة ، الكاريزما ، الشخصية ، الذكاء ، الصبر ، الدأب ، الإقناع ، العلاقات … الخ ) .
ويكون في هذه المرحلة قد قدم أقوى من لديه واكثرهم كفاءة وخبرة .
هذا في الولايات المتحدة ، ولكل بلد ديمقراطي مستقر مدرسته الخاصة في عملية النخل تلك .
وهذا ما يحصل على مستوى الإدارة والتعيينات .
يمكننا بعد ذلك أن نتساءل عن خيباتنا المتعلقة بالمنتج السياسي والإداري برمته ..
لكن الإجابة هي ما ينبغي أن نعمل على صياغته علنا نستدعي ملامح مدرستنا السياسية الخاصة .
فنحن في هذا البلد لا زلنا عالقين في أدلجة الاستحقاقات بطريقة تسمح للفشل السياسي ان يستمر ويأخذ عمرا إضافيا وفاعلية أكبر .
فهناك من يترشح للرئاسة وهو على يقين بالفشل ومع ذلك له أتباع ثابتون لا يستأنسون بالتجربة ولا يخجلهم توقعهم الكلي للهزيمة .
لهذا ستظل خيارات إصلاح السلطة في الوقت الراهن محدودة ومحصورة في خيار الإصلاح من داخل السلطة ، لأن إصلاحها من خلال معارضة ضعيفة وباهتة هو مجرد إذكاء لها لا غير ، وهذا ما يتوقع أن يجعل من خيار التوجه لخيارات الحزب الحاكم أمرا مبررا في ظل ظروف المعارضة هذه .
فهناك حزب هو الأقوى من حيث الكم البشري والقدرة المالية ، وفي المقابل هناك معارضة تعتصر المستحيل عله ينفرج عن مرشح موحد ، معروف مسبقا انه لن ينال من المصداقية ما يكفي للمنافسة .
هذا من حيث المحيط العام لرجل السلطة القوي والمحتمل أن يكون رهانها .
يبقي أن أعرج على نقاط قوته المعززة لنقاط قوة الموالاة التي تحيطه .
فهو شخص كتوم وغامض ، وتلك من الصفات الأكثر جاذبية في السياسي أيا كان ( يقول السادات أن الغموض هو الركيزة الشخصية للسياسي ) .
وقد ادار ملفات مؤسسته وأخرجها من طور الهزال والخور إلى مؤسسة قوية ونامية ، تحقق النجاحات على المستوى الأمني الداخلي والإقليمي ويراهن عليها دوليا .
كل ذلك في صمت تام ( لا تصاريح إعلامية ، لا ظهور في المهرجانات ، ولا حتى تعليقات للحشد إبان الإستحقاقات ) .
يمثل هذا المنحى شخصية العسكري الملتزم ، وإذا تعززت صفة الإلتزام مع نجاح العمل فإن ولاء المؤسسة العسكرية يمكن التعويل عليه كعامل استقرار بعد أن كانت مصدر رعب ينتج الكثير من الطامحين والقادرين على محاولات القفز على السلطة ( حتى ضغار الضباط كان باستطاعتهم أن يديروا عمليات إنقلابية من التخطيط إلى التنفيذ ) .
وهذه خطوة جيدة نحو استقرار المؤسسة العسكرية كضامن للوحدة والاستقرار .
هذا من حيث رصيد الكفاءة المهني
أما من حيث الوجاهة السياسية فأعتقد أنه الرقم الأكثر قبولا على المستوى الوطني بل إن أكبر احزاب المعارضة اليوم تبحث من خلاله عن مخرج لأزمة مواجهاتها مع السلطة ، والتي دامت عقدا من الزمن لم يبق منها غير ذكرى ومدر .
وهي بالتأكيد غير قادرة على إدارة عشرية أخرى من تلك المواجهة .
ومن الناحية الأيديولوجية فهناك رابط الصوفية الذي تعززه الروابط التاريخية بين المدارس الصوفية في البلاد ، وهو بعد يتجاوز الأطروحة الجهوية والعرقية تاريخيا .
كل تلك العوامل مجتمعة ربما تتمخض عنه كمرشح قوي في الانتخابات وكرهان جيد للتنمية باعتبار أدائه المهني .