تعريف الدستور بشكل مبسط، عبارة عن مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والموضحة لإطار حقوق الحكام والمحكومين دون التدخل فى المعتقدات الدينية أو الفكرية، أو كما يشبه الفلاسفة الكبار، بأنه «عقد» اجتماعى، يحدد ملامح العلاقة والحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم..!!
والدستور أنواع عدة، منها، الدساتير المدونة، أى المكتوبة.. والدساتير غير المدونة، أو ما يطلق عليها «العرفية» كونها مستمدة من قواعد عرفية استمر العمل بها لسنوات طويلة حتى أصبحت بمثابة القانون الملزم، ويعتبر الدستور البريطانى، المثال الأبرز على الدساتير غير المدونة لأن معظم أحكامه مستقاة من العرف، وبعضها من القضاء.. والدساتير المرنة، التى يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التى يتم بها تعديل القوانين العادية أى بواسطة السلطة التشريعية.. والدساتير الجامدة، التى يستلزم تعديلها إجراءات أشد من تلك التى يتم بها تعديل القوانين العادية، ومثال ذلك دستور أستراليا الفيدرالى الذى يتطلب موافقة أغلبية مواطنى الولايات، بالإضافة إلى أغلبية الأصوات على المستوى الفيدرالى.. والدساتير المؤقتة، والتى يتم وضعها لفترة زمنية معينة ولمواجهة ظروف طارئة ومحددة كأن تكون الدولة حصلت على استقلالها حديثًا.. والدساتير الدائمة، غير محددة المدة الزمنية حتى تظهر الحاجة لتعديلها أو إلغائها.. والدساتير المطولة، التى تناقش وتنظم مسائل كثيرة ومتعددة وتفصيلية، مثل دستور الهند.. والدساتير المختصرة، التى تقتصر على الموضوعات المهمة دون التطرق للتفاصيل.
من خلال هذا التعريف العلمى والمبسط، يتضح أن الدساتير ليست كتبًا مقدسة، صالحة لكل مكان وزمان، ولها طقوس وشعائر تمنع الاقتراب منها، وكهنة يحرسونها ليل نهار، يكفرون وينزلون أشد العقاب على كل من تسول له نفسه أن يعترض على نص، أو يطالب بتعديل مادة، والدليل أن بريطانيا، بجلالة قدرها فى الديمقراطية والحرية، ليس لديهما دستور مدون، وإنما قواعد عرفية تحكمها.
إذن الدساتير فى مختلف الدول، ليست مقدسة، قدسية الرسائل السماوية، صالحة لكل مكان وزمان، وأنها متغيرة وفق مقتضيات المجتمعات وتقاليدها وأعرافها، والمتغيرات الشديدة سياسيًا واقتصاديًا، والدليل أن بريطانيا «العظمى» لا يوجد لديها دستور مكتوب، مع أنها تعتبر نفسها قبلة الحريات فى العالم، وتأخذ بالتقاليد العرفية، وسيلة للحكم والإدارة وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم..!!
الغريب، والمثير للجنون فى وطننا أن هناك مجموعة، احتكرت، وبالصوت العالى فقط، جميع الحقوق الحصرية للمعرفة والعلم ببواطن الأمور فى مختلف المجالات، واعتبار أنفسهم، حراس وكهنة الدفاع عن الدستور، وإصدار فتاوى التكفير لكل من يحاول الاقتراب منه
أنا هنا لا أدعو لتعديل الدستور فقط ، ولكننى ايضا أرصد التناقضات الشديدة فى الطرح، وازدواج المعايير فى التناول، واللعب بمشاعر البسطاء، واعتبار أن الدستور مقدس ولولاه لن تكون هناك حياة ولن يكون هناك وطن، مع أن بريطانيا على سبيل المثال، لا الحصر، ليس لديها دستور..!!