كتابنا

أسبوع في القصر الرئاسي/المامي ولد جدو

هو برنامج تلفزي شهري تبثه محطة +CANAL ، وتدور احداثه داخل قصر الاليزيه، حيث تتجول الكاميرات وفريق البرنامج-طيلة اسبوع- في أروقة مؤسسة القصر الرئاسي، ومركز صُناع القرار الفرنسي، المطبخ، الاستراحة، مكتب الرئيس، دولاب بدلاته التي تصرف له من الخزينة العمومية الفرنسية، الحديقة،غرفة النوم، غرفة الاستراحة …

وأحيانا يصاحبهم فخامة الرئيس، مع كلبه الودود في تلك الجولة و يقوم بدور المرشد للتعريف بتقاليد المؤسسة الرئاسية العريقة التي يرجع تاريخ بنائها إلى القرن الثامن عشر.

البرنامج يتم بثه كل شهر، ليمنح من خلاله رئيس الجمهورية الفرنسية وقتا كافيا للرأي العام الفرنسي، كحق دستوري وليس منة منه، و يشكل استجوابا للرجل الأول في النظام، وكشفا لما يدور في أروقة القصر وعرضه للنقاش.

أسبوع في القصر مغاير تماما ل”زوروني كل سنة مرة” على رأي فيروز ،حيث يمنح رئيس الجمهورية عندنا فرصة كل سنتين أو ثلاثة سنوات للصحافة الوطنية، التي يتم  إخضاعها لفحص مجهري وإعطائها تعليمات صارمة عن برنامج الحوار والأسئلة التي يتم التشديد على أن لا تخرج عن السياق.

 إجراءات دخول القصر الرئاسي، وما يصاحبها من الترقب، تجعل الصحفي متوترا ولا يكاد يصل إلى الباحة التي يوجد بها الرئيس حتى يقول السلام عليكم يا رسول الله كما قال وفد مصر لمعاوية بن أبي سفيان.

دخول القصر عندنا ليس متاحا للصحفيين سوى حالات نادرة و استثنائية لالتقاط الصور وتسجيل لقطات صامتة خلال نشاطات الرئيس اليومية تصاحبها موسيقى مازاروف.

وبالعودة للبرنامج المذكور يتوجه الرئيس الفرنسي لاستديو القناة، بعد انتهاء جولة في القصر حيث ينشط لقاءا تلفزيونيا، ولا ينتقل إليه الصحفيون في القصر حتى لا يعيشون وضعا مربكا لهم وغير مريح بالنسبة لهم، يتم خلاله إصدار اوامر من قبيل اقطع..اكفل..اسكت.. كما يحدث عادة عندنا. أثناء الجولة في القصر اقتنصت كميرا البرنامج رئيس الوزراء مانويل فالس في جلسة عمل بحديقة القصر وسأله الصحفي هذا السؤال: السيد: رئيس الوزراء هل ترى أنك انت والرئيس تشكلان زوجا يعمل بانسجام، فأجاب فالس –بذكاء- نحن لسنا زوجا وإنما هو رئيس الجمهورية، وأنا رئيس الوزراء، نحن الجهة التنفيذية والأوامر تصدر إلينا من الرئيس. لقد تجنب بذالك محاولة الوقيعة ربما لأنه يحضر نفسه لترشيح اليسار حينها . بعد ذلك تم تصوير مجلس الوزراء الفرنسي وكان الجميع يجلس بأريحية ويتحدث بثقة، وبعد قدوم رئيس الجمهورية جلس بين الوزراء على مقعد لا يميزه أي شي سوى ان يكون في وسط الجلسة، عكس الطاقم الحكومي الموريتاني الذي تخال أن على رأسه الطير، جامدون وخائفون ومشبكون للسواعد كأنهم ربوتات انتهى شحنها الكهربائي.

 ويتم بث مشاهد اجتماع مجلس الوزراء بشكل حصرى عن طريق التلفزة الحكومية كتقليد احتكاري منذ سنوات، حيث تتم قراءة مراسيم مشاريع مملة للغاية،  ما يدفع الصحافة المستقلة للخضوع للشائعة اسبوعيا حول من تم تعيينه ومن أقيل وتجعل بعض الموظفين ترتعد فرائصه من تلك الاخبار التي لا تعتمد على اية معلومة صحيحة في غالبها الأعم..

سياسة الأذن الصامتة هي ما يعتمدها النظام الحالي، ولسان حاله يقول:”..سافتح باب الحريات لكنني لن انفذ شيئا”، وهي سياسة مناقضة لسياسية تكميم الأفواه..

وزير الدفاع الفرنسي “جان أيف لودريان” همه بيع صفقة مقاتلات رافال حسب الكلمات التي قالها لزميله في الحكومة يعني بالحسانية “أيدو ايدخل شي للخزينة”، ووزير الدفاع عندنا يرفع علما لم تتم دسترته بعد في وسط جلسة لمؤسسة تشريعية.

كريستيان توبيراوزيرة العدل -ذات الأصول الافريقية والرأس المحلوق- تنشغل في مراجعة بعض الملفات، ولا شك أنكم تتذكرون تصريحها حول (حرية الإساءة) والذي قالت فيه:”في فرنسا يمكن أن نرسم كل شيء، حتى أحد الأنبياء”!!،  وكأنها تقول بأن حرية فرنسا في الاساءة ليس لها حدود.

وبالمقابل وزير العدل الموريتاني  همه معارك جانبية مع القضاة اللذين صدحوا برأي مخالف، المحاكم التي تقع تحت وصايته تتباطأ في محاكمة المسيء لنفسه على طريقة القانون الوضعي، وكأنها تتمالأ مع جهة ما بهدف البحث عن حل وسط متاهة محاكمة ولد امخيطير،في مناورة اقرب للسياسة من القضاء.

وزير المالية والحسابات ميشيل سابين يتكئ على دولاب جانبي ويدقق في تقارير بحوزته، لعله كذلك يتفقد ديون فرنسا لبعض الدول التي لا شك أن من بينها موريتانيا، بينما وزير ماليتنا يوقع اتفاقيات قروض بالمليارات سترهق كاهل الاجيال القادمة.

طاقم الحكومة الفرنسية تبدو عليه البساطة، والجدية، الجميع يبتسم ومرتاح، ليس هناك شيء سري ” سر الدولة” كما يسمى عندنا في موريتانيا، كل شيء واضح و معلوم، هناك مصارحة حقيقية في تسيير الشأن العام يفرضها الدستور وتطبقها الحكومة، تشبه نظام الشورى الذي أمر به الإسلام وتم تضييعه عندنا، حكومة فرنسا كافرة ولكنها عادلة تلك هي المعادلة الصعبة.

. خلال البرنامج تم عرض شريط مصور عن قوات سرفال الفرنسية التي تقوم بتدريبات للجيش الموريتاني و تنتشر في اتشاد ومالي والنيجر بحجة التدريب في بعض الدول والإسناد في دول آخرى في إطار مكافحة الإرهاب، وتم سؤال الرئيس الفرنسي عن مصير تلك القوات وأهدافها، وبغض النظر عن الاجابة الدبلوماسية للرئيس فالحقيقة ان تلك القوات لا تكافح الارهاب بقدر ما تحمي مصالح فرنسا في تلك الدول، وتوجه رسالة “للحليف الامريكي”، وتساهم في نهب خيرات البلدان، وإزاحة بعض الحكومات التي لا تنسجم سياستها مع سياسة قصر الاليزيه، وبالتالي فرض هيمنة الدولة الاستعمارية التي تحترم شعبها وتحتقر شعوبنا. أسبوع في القصر الرئاسي يشعرك بأن رئيس الجمهورية الفرنسي شخص عادي، موظف كأي موظف آخر، لديه قناعة بأنه سيرحل بعد انتهاء مأموريته، ليس مخلدا، وليس حاكما بأمره، وليس ملهما لشعبه ولا يولى أعناق النصوص.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى