تهدف الورقة إلي تعريف موجز عن الوحدة الوطنية وعن بعض الظواهر السائدة في المجتمع الموريتاني والتي تشكل خطرا حقيقيا علي تماسك الشعب ، وفي نقطة أخيرة إلي بعض السبل التي يجب اتخاذها من أجل المحافظة علي تماسك الشعب . الوحدة الوطنية : هي انصهار جميع أبناء الشعب في بوتقة واحدة وكيان واحد ، وعدم وجود أي صراع فيما بينهم ، بحيث يؤمن الجميع أنهم أبناء وطن واحد ، إلا أن وسيلة تحقيق ذلك قد اختلف معظم الباحثين حولها ، فبعضهم رأى أن اللغة هي مصدر الوحدة الوطنية ،وبعضهم الآخر رأى أن إيمان الشعب بالحاكم وطاعته هي أساس هذه الوحدة ، وبعضهم رأى أن الإرادة الحرة للأفراد هي التي تصنع الوحدة الوطنية ، وآخرون رؤوا أن إنهاء الصراع الطبقي في المجتمع هو السبيل إليها ، وعلى هذا فان للوحدة الوطنية هدف واحد لكن وسائلها قد تختلفت باختلاف الباحثين نتيجة اختلاف أوضاعهم عن بعضهم البعض. ويتجلي مفهوم المواطنة في إعادة الاعتبار السياسي والحقوقي للمواطن، حتى تتوفر كل الظروف والمعطيات المفضية إلى مشاركة جميع المواطنين في عملية البناء والتطوير.
ومن أجل الوصول إلى مبدأ المواطنة، وتجسيد مقتضياتها ومتطلباتها في الحياة الاجتماعية والسياسية،والاقتصادية يجب علينا الانخراط في مشروع الإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي و الاقتصادي وحجر الأساس في هذا المشروع الإصلاحي، هو إعادة الاعتبار للشرائح المهمشة والتعامل معها انطلاقا من الندية بغض النظر عن انتماءاتها التاريخية والراهنة. أما عن الوحدة الوطنية في الإسلام يقول المولى عزّ وجلّ في محكم كتابه: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”. وهي موضوع غاية في الأهميّة من شأنها أن تكون أحد الركائز الأساسيّة لبناء أيّ دولة وأحد أهم دعائمها ومقوّماتها التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد، وتقوم بشكل أساسي على حبّهم لهذا الوطن وانتمائهم له ودفاعهم عنه ضدّ أيّ قوّة خارجيّة تحاول إيذاءه أو السيطرة عليه بأيّ شكل من الأشكال، كما توحّدهم على نفس المبادئ والعادات والتقاليد ضمن المساحة التي يعيشون فوقها من الأرض، وأينما تحلّ الوحدة الوطنيّة تختفي كافّة الشرور، والخلافات، والأحقاد، والعنف، والعنصرية، وتسود أجواء المحبة، والتسامح، والتكاتف، والتآخي، والتعايش. وأهم سبيل لذلك التعليم بمناهجه وأنظمته التربوية، حيث يعد من أهم الروافد الأساسية لعملية التنمية الثقافية والعلمية، إذ لا يمكن أن يتطور الحقل الثقافي في أي مجتمع، بدون تطور حقل التعليم والتربية، فهو أحد أعمدة التقدم الثقافي، وذلك لأن التربية التعليمية الوعاء الحاضن لمجموع الطاقات ذات الفعل الإيجابي على المستوى الاجتماعي ومن هنا فإن أي خلل يصيب جهاز التربية، ينعكس على كافة حقول الحياة وجوانبها، لذلك نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد (كنيدي) حينما سُبقت بارتياد الفضاء من قبل الاتحاد السوفيتي، اعتبرت أن السبب في ذلك هو فساد النظام التربوي والتعليمي، وعجزه عن إخراج المبدعين، فتشكلت اللجان المتخصصة لإنقاذ ما أسمته بـ(الأمة المعرضة للخطر).
أما بالنسبة لموريتانيا فإن العوامل التي من شأنها أن تعمل علي توحيد الشعب أكثر بكثير من عوامل التفرقة حيث الدين الإسلامي المشترك والأرض الواحدة والوطن الواحد، و ينقسم الشعب فيها إلي مجموعتين : 1-مجموعة الزنوج (لكور) :وتضم إفلان ، السوننكي ، الولف 2-مجموعة البيظان :وتضم البيظان البيض ،لمعلمين، إكاون و لحراطين ،حيث تعرضت مجموعة لحراطين خلال فترة طويلة من الزمن لأبشع ممارسات الظلم والتهميش والإقصاء من مجموعة البيظان البيض ولا يزال البعض منهم يعاني علي الرغم من انتشار الوعي لدي بعض أبناء شريحة لحراطين وظهور حركات مطالبة بإتباع سياسات من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لكل الموريتانيين ، هذا بالإضافة إلي السياسات المتبعة من طرف الدولة للحد من ذلك . ونشير إلي أن ضياع الحقوق، هو الذي يقود إلى التطرف والتعصب، وغياب حس وواقع المواطنة لدي الأفراد والجماعات وإن النهوض في ظل هذا الواقع والتحديات التي تحيط به من كل جانب، يتطلب أداء واجب ومقتضيات المواطنة واحترام المصالح العامة، والعمل على صياغة الحياة العامة من جديد، علي هدى قيم الديمقراطية والحرية والتسامح واحترام حقوق وكرامة الإنسان،ولا أدل علي ذلك من الأحداث الماضية التي أظهرت التنامي المتسارع للميز العنصري الدفين في بعض اللصوص والمرتزقة في بلادنا ، حيث يمكن إرجاع ذلك إلي عدة أسباب من ضمنها غياب التعليم و الجهل وانتشار الفقر وغياب الوازع الديني،هذا بالإضافة إلي الظلم والتهميش والحرمان،حيث لا يمكن تحقيق جو من الرفاهية في محيط من البؤس و الحرمان وقد أشرت إلي ذلك سنة 2004 في تقرير لشركة المجابات الكبرى تور ، فهذا النوع من الناس يمكن استخدامه في كل وقت ضد وطنه من طرف الانتهازيين.
لنكن صادقين ونقول لن يفرقوا بيننا ونعمل جاهدين علي سد الفجوة بين أبناء شعبنا ،لنكن صادقين ونقول لن يفرقوا بيننا انطلاقا من قوله تعالي “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. لنكن صادقين ونقول لن يفرقوا بيننا ،فالشرائح التي تعرضت للظلم والغبن والتهميش لها دور خجول في تغيير واقعها ،لنكن صادقين ونقول لن يفرقا بيننا مهما كان الثمن. وللقضاء على ظاهرة التهميش و التمييز و الإقصاء و ما ينجم عنهم من فوارق اجتماعية وانعكاسات سلبية علي الوطن تجب المراجعة لكافة الأصعدة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية و النفسية و ذلك من خلال ما يلي: 1-إتباع سياسة فعالة وجادة في مجال التعليم خلال فترة طويلة من الزمن لصالح شريحة لحراطين وكذلك الشرائح المهمشة الأخرى. 2- رد الاعتبار و النهوض بالمدرسة العمومية و توحيد الزى المدرسي 3- تفعيل المدارس الخصوصية و تنظيمها . 4- فتح مراكز للتكوين المهني لتأهيل و تكوين الأعداد الكبيرة من الأميين و المتسربين من التعليم ليساهموا في بناء الوطن و تطويره و إنشاء مشاريع تنموية زراعية و رعوية في المناطق التي تحتوي أكبر عدد من لحراطين وكذلك المهمشين 5- إشراك المرأة في عملية تغيير العقليات و استغلال المنابر الدينية لذلك مراعين خصوصية المجتمع و الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الأئمة و العلماء في تصحيح الفهم الخاطئ للدين و التصورات الخرافية 6- استخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية من أجل ترسيخ قيم المواطنة و إرساء عدالة اجتماعية حقيقية تقضي على التهميش و تذويب الفوارق و الحواجز الاجتماعية بين مختلف مكونات المجتمع. 7- اتخاذ سياسة اجتماعية تشجيعية تعمل على الاندماج الاجتماعي و تدفع باتجاه الزواج المختلط بين مكونات المجتمع و تزيل الحساسيات و الحواجز و الفوارق الاجتماعية و العرقية لتعزيز لحمة المجتمع ووحدته. 8- اتخاذ سياسات حازمة لتقليص الهوة الاقتصادية بين مكونات المجتمع و القضاء على الفقر في أوساط الجماعات المهمشة و توفير ظروف مناسبة تساعد على بناء مساكن لائقة كبناء أحياء سكنية من طرف مستثمرين وتأجيرها علي سبيل التمليك من أجل القضاء على الأحياء العشوائية و أحياء الصفيح. 9- تشجيع سياسات الاستثمار المنتهية بالتمليك من أجل خلق رجال أعمال من الشرائح المهمشة والقضاء علي الفقر 10- إعادة النظر في قوانين الإصلاح العقاري من اجل ولوج الطبقات المهمشة في الريف إلى الأراضي الزراعية و استغلال اكبر قدر ممكن منها سبيلا إلى إحداث ثورة زراعية مفيدة للبلد بعيدا عن الاحتكار و الاستغلال و شتى مظاهر الاستعباد المقنع أو الاسترقاق العصري 11- اتخاذ إجراءات تمييزية و عملية من اجل ولوج أبناء الطبقات الضعيفة و الفقيرة و المهمشة إلى المؤسسات المالية و البنوك و التجارة و قطاعات الإعلام و الدبلوماسية و القضاء والجيش 12- القضاء على التهميش السياسي لكافة مكونات المجتمع التي عاشت الحيف الاجتماعي و الغبن و التهميش و إشراكهم بشكل فعلي في تسيير شؤونهم المحلية و الحرص على ولوجهم لدوائر صنع القرار و إشراك مثقفيهم و أصحاب الرأي منهم في رسم السياسات و البرامج الهادفة إلى مكافحة الفقر و النهوض بالطبقات المهمشة و إزالة الفوارق الاجتماعية 13- الحث علي الأعمال الخيرية والاستثمار في رأس المال البشري وخصوصا من شريحة لحراطين و المهمشين.