الرئيسية / المستعرض / ساحر يروي لBBC تفاصيل اكبر عملية احتيال على بنك إماراتي

ساحر يروي لBBC تفاصيل اكبر عملية احتيال على بنك إماراتي

فوتانغا باباني سيسوكو لم يدخل السجن يوما واحدا لممارسة “السحر الأسود” والسطو على 242 مليون دولار  بعد ما يقرب من 20 عاما على أكبر واقعة احتيال مالي في العالم باستخدام “السحر الأسود” استهدفت بنك دبي الإسلامي في الإمارات وأضاعت 242 مليون دولار، في أغسطس 1995، يخرج بطل القصة “فوتانغا باباني سيسوكو”، عن صمته ويروي حقيقة ما حدث.

وبحسب بريجيت شيفر، الصحفية في بي بي سي، التي التقت سيسوكو في مسقط رأسه بمالي، فإنه مازال حرا طليقا ويعيش في مالي دون أن يدخل السجن ليوم واحد، وتصف ما قام به بأنها واحدة من أكثر حيل النصب جرأة وثقة في التاريخ، وتقول بريجيت: كانت البداية عندما ذهب مواطن مالي في الإمارات يدعى فوتانغا سيسوكو، لطلب قرض من بنك دبي الإسلامي لشراء سيارة، وكان الخطأ الذي ارتكبه مدير البنك “محمد أيوب” هو قبول دعوته على العشاء كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض.

وأثناء العشاء بدأ سيسوكو تنفيذ مخططه بإدعاء شيء مدهش، وهو امتلاكه قدرات سحرية وأنه يمكنه “توليد الأموال”، بمعنى مضاعفة أي مبلغ يريده، ودعا صديقه الإماراتي للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.

ويحرم الإسلام السحر الأسود ويعتبره نوعا من الكفر بالله، ورغم هذا مازال هناك من يؤمن على نطاق واسع بهذا السحر، ومنهم أيوب الذي استسلم تماما لسيسوكو، رجل الأعمال الغامض وصاحب الملابس المزركشة القادم من قرية نائية في مالي.

ولم ينتظر مدير البنك طويلا حتى ذهب مجددا إلى منزل سيسوكو ومعه أمواله، وقابله الرجل مندفعا من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن “الجن” هاجمه للتو، وحذره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب أيوب على الفور وترك الأموال في الغرفة المسحورة وظل ينتظر.

وروى أيوب ما حدث معه وقال: رأيت ضوءً ودخانا وسمعت أصوات الجن. ثم فجأة ساد الصمت: وكانت المفاجأة أن الأموال “توالدت” وتضاعفت كما وعده الساحر. وهنا ظهر السرور على وجه أيوب، ومن هنا تهيأت الأمور لعملية السطو الكبرى.

ويصف ألان فاين، محقق من ميامي استعان به البنك الإماراتي فيما بعد للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلا “أيوب آمن بأن ما حدث كان سحرا أسودا، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال”.

محمد أيوب، مدير بنك دبي الإسلامي، أدين بالاحتيال وسجن ثلاث سنوات وأجبروه على الخضوع لعلاج من السحر ويوضح أنه بعد ذلك أرسل أموالا إلى سيسوكو، وكانت من أموال البنك، واعتقد أنها ستعود إليه أضعافا مضاعفة ويستفيد منها.

وبحسب أوراق القضية فقد أجرى أيوب 183 تحويلا ماليا إلى حسابات سيسوكو حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998.

كما عمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب فاين، وكان أيوب يتولى تسوية هذه الأموال بدلا منه.

وفي عام 1998، بدأت الشائعات تتناول البنك وأزمته المالية، حينها نشرت إحدى الصحف في دبي تقريرا عن أن البنك يعاني أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك في انتظار سحب أموالهم.

سعت حكومة دبي لتهدئة الأزمة، وقالت إنها “مشكلة صغيرة ولن تتسبب في أية خسائر مالية سواء في استثمارات البنك أو حسابات المودعين”.

يقول فاين عن حقيقة ما حدث “مالكو البنك تعرضوا لضربة كبيرة وكبيرة جدا. ولم تكن أموال التأمينات لتغطيها”. وما أنقذهم هو وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم، “لكنهم تخلوا عن الكثير من حصتهم في البنك مقابل هذا، في هذا الوقت كان فوتانغا بعيدا جدا ينعم بأموال البنك.

سيسوكو فتح حساب في سيتي بنك في نيويورك واستخدمه لتحويل 151 مليون دولار من دبي
فقد وضع مخططا من البداية يقضي بعدم التواجد في دبي أثناء تلقي الأموال، واعتمد على أن يكون بعيدا عنها بينما تتدفق الأموال إليه في الخارج.

فبعد أسابيع قليلة من عرضه السحري أمام مدير البنك الإماراتي، توجه سيسوكو في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، إلى مصرف آخر في نيويورك، وفعل أكثر بكثير من فتح حساب.

وقال ألان فاين: لقد دخل إلى مقر سيتي بنك يوما ما، بدون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها.

ويوضح المحقق الأمريكي أن تلك السيدة “لعبت دورا في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأمريكي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة”.

في الواقع، وفقا للقضية التي رفعها بنك دبي الإسلامي ضد سيتي بنك الأمريكي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، “خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي دون إذن مناسب”. وقد تم إسقاط القضية لاحقا.

ودفع سيسوكو أكثر من نصف مليون دولار لزوجته مقابل مساعدته في تحويل الأموال من دبي إلى نيويورك، وعن هذا الزواج يقول فاين :”لا أعلم الإطار القانوني لزواجه منها، لكنه قال إنها زوجته وهي بدورها صدقت أنها زوجته أيضا”.

وقد أدركت أنه لديه زوجات أخريات، بعضهن من أفريقيا والبعض من ميامي وحتى كان هناك زوجات من نيويورك.

ومع تدفق الأموال عليه كان بإمكان سيسوكو تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران في غرب أفريقيا. واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز هوكر-سيديلي 125 وطائرتين عتيقتين من بوينغ 727 إس . وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران “أير دابيا”، التي سماها على اسم قريته التي ولد فيها في مالي.

لكن سيسوكو ارتكب خطأ كبيرا، في يوليو 1996، عندما حاول شراء مروحيتين من طراز هيوي تعودان لحرب فيتنام، ومن غير المعروف السبب وراء هذه الصفقة، وقال سيسوكو أنه يريد شراء هذه الطائرات لإستخدامهما كأسعاف طائر، وبما أن المروحيات كانت كبيرة جدا وليست من النوع الذي ينفع كأسعاف طائر ، وبما أن المروحيات كانتا من النوع الذي يمكن تحديثها لتصبح طائرات حربية فإن تصديرهما خارج الولايات المتحدة يحتاج إلى تصريح خاص، وبناءا عليه سعي رجال سيسوكو إلى تقديم رشوة لضابط جمارك قدرها 30 الف دولار ليقوم بتسهيل إجراءات تصدير الطائرات، وتم إعتقالهم بتهمة الرشوة وتبعا لذلك تم القبض على سيسوكو في جنيف بعد أن أصدر الإنتربول أمرا بتوقيفه.

وبعد أن إكتملت اجراءات توقيفه تم ترحيله بسرعة من جنيف إلى الولايات المتحدة ، والمفاجأة أنه وعند محاكمته حظي بدعم كبير من قبل دبلوماسيين ابدوا استعدادهم لضمان سيسوكو هذا بجانب وجود فريق دفاع قوي من بينهم عضو سابق بمجلس الشيوخ الأمريكي. ورغم إن الحكومة الأمريكية كانت تريد إدانة سيسكو بالتهمة وسجنه ولكنه تمكن من الخروج بكفالة 20 مليون دولار.

وعندما جاء موعد القضية أقر بالذنب أمام المحكمة فحكم عليه بالسجن 43 يوما، ودفع غرامة قدرها 250 الف دولار، ويقول تقرير بي بي سي أن هذا المبلغ بالتأكيد دفعه بنك دبي الإسلامي، في إشارة إلى أن هذه الأموال دفعت من مبلغ 242 مليون دولار التي تحصل عليها من البنك الإماراتي. وبعد قضائه نصف المدة حصل على إفراج مبكر مقابل دفعه مليون دولار لصالح ملجأ لإيواء المشردين، ومن ثم عاد إلى وطنه الأم كبطل.

وفي هذه الإثناء كان موظف البنك الإماراتي محمد أيوب قد إعترف بتحويل مبلغ 890 مليون درهم “242 مليون دولار أمريكي”، الأمر الذي عرضه لمحاكمة وادين بالإحتيال وصدر حكم ضده بالسجن ثلاثة سنوات. وهذا في الوقت الذي لم يقف سيسوكو قط أمام العدالة في هذه القضية.

وحتي تكتمل الصورة تمكنت صحفية بي بي سي بريجيت شيفر من الذهاب إلى مالي بحثا عن سيسوكو للحديث عن القضية ونجحت بعد بحث مضن من الوصول إلى مكان إقامته حيث أنه يعيش في قرية قريبة من قريته الأصلية دابيا، بالقرب من حدود مالي مع غينيا والسنغال.

وحين ألتقت برجيت بسيسوكو وهو محاطا بحراس مسلحين يبدو عمره قد بلغ الـ 70 عاماً وعرضت عليه الحديث عن تفاصيل القضية لم يمانع وقام بتعريف نفسه حيث قال لها إن اسمي سيسوكو فوتانغا ديت باباني، مضيفا في حديثه أن بدأ في إعادة بناء قريته في عام 1985 وأن ثروته بلغت في مرحلة ما 400 مليون دولار.
وفي حوارها معه سألته بريجيت عن قصته مع بنك دبي الإسلامي وحصوله على مبالغ طائلة منه  بلغت 242 مليون دولار.
وقال سيسوكو في اجابته:” أنها قصة مجنونة .. نحن نتحدث عن 242 مليون دولار. المسئوولين في بنك دبي الإسلامي يجب أن يشرحوا كيف ضاعت كل هذه الأموال ، واستطرد بتوجيه سؤال لبريجيت حيث قال لها كيف يمكن نقل هذه الأموال من البنك وما هي الطريقة التي تم بها ذلك؟ مضيفا: هذه هي المشكلة. وقال إن الأمر لا يتعلق بهذا الرجل وحده “في إشارة لأيوب” الذي أمر بنقل الأموال ، وقال عندما يقوم بنك بنقل أموال فإن عملية النقل والتحويل لا تتم عبر شخص واحد بل الكثير من الموظفين يتدخلون في هذه العملية.

وفي ختام الحوار المطول الذي أجرته بريجيت معه وجهت له سؤالا اخيرا، حيث قالت له: هل مازلت ثريا؟
فأجابها بسرعة “لا لم أعد ثريا أنا فقير”

وقالت صحفية بي بي سي إن سيسوكو نجح في قضاء 20 عاما دون أن تطاله يد الإنتربول، وهو الأن يقضي حياته في مالي ولا يستطيع مغادرتها، ورغما عن سرقة بنك دبي الإسلامي بإستخدام السحر الأسود إلا أن سيسوكو لم يدان بأي جريمة ولم يقضي يوما واحدا في السجن بسبب هذه السرقة التاريخية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كريستيان: لست جاسوسا وقد اتخذ إجراءات قضائية ضد مسؤولين موريتانيين(جصري)

رؤيا بوست: نفى السيد كريستيان بروفيزيوناتو رجل الأمن الإيطالي الخاص الذي اعتقل بنواكشوط لأكثر من ...

اللحظة الثورية تستدعي مقارعة الوثنية الدستورية/ عبد الله حرمة الله

يسكنني امتنان لا ينفد لقائد الأمة الموريتانية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز. ...

error: المحتوى محمي من النسخ