الرئيسية / كتابنا / العلمانية التي يدعو إليها بعض شبابنا/ مولاي عمر
مولاي عمر

العلمانية التي يدعو إليها بعض شبابنا/ مولاي عمر

العلمانية التي يدعو إليها بعض الشباب المندفعين في موريتانيا ..لم يدركوا أنها لم تُطبق إلا منذ القرن الماضي في أوروبا ..أي لم تطبق تطبيقا واعيا ..أما ممارستها اللاواعية فقد وُجدت منذ وجد البشر. لقد انتُهجت العلمانية في أوروبا والغرب بعد قرون طويلة من التخللي عن المسيحية واقعيا وحياتيا …ولكون هذه الديانة لا تحمل تشريعا ينظم حياة الناس. ومن ثم أمكن الغربيين الإتيان بقوانين وضعية واستقاء أخرى من الإسلام وغيره. أما المسلمون فبالنسبة لي تفعيل العلمانية الحرفية في أرضهم غير ممكن .. كما أنه لم يمكن أن تُنفذ مبادئها بشكل كامل في أوروبا والغرب. إن الإسلام يرتبط بحياة المسلمين ..وبقيمهم ومبادئهم ..وبمطعمهم ومشربهم ..وعلائقهم الاجتماعية.. وسياساتهم ..واقتصادهم، ومعاملاتهم، ولا يستطيعون تنظيم عيشهم بعيدا عن حساباته لا على المستوى الفردي ولا الجماعي. يكفي مثلا أن نبين أن المربض ” مربط تنويش ” ..لا يمكن أن يوظف فيه كعامل جزار إلا مسلم أو مسيحي أو يهودي … فغير الثلاثة لا تصلح ذبيحته للمسلمين. كذلك لا يمكن مثلا أن تقبل دولة مسلمة علمنة التعليم ..بحيث يدرَّس أبناؤها الإباحية .. ويسوق لهم زنى المحارم وغيره من الممارسات المخلة بالقيم الأخلاقية على أنه مجرد استجابة لرغبة غريزية طبيعية، وأن القيام به من عدمه تابع لحرية وإرادة الطرفين اللذين يرتبط فعله بهما. قد يرد قائل بأن لكل الحق في اتباع نمط التعليم الذي يريد وسلوك الطريق التي يميل إليها .. والرد على ذلك أن التعليم في أي دولة من الضروري أن يكون ذا منهج موحد ..وأن يكون أبناء الدولة منخرطين في المدارس ذاتها، ويتلقوْا البرامج التدريسية نفسها، وإلا كنا في دولة محاصصة تعليمية ..ومن ثم اقتصادية وسياسية وعسكرية ..ولا يؤدي ذلك إلا إلى التفكك والدمار في آخر المطاف. زد على ماسبق أن علمنة الصحافة والتلفزيون والسينما …لن تتماشى والنهج الذي يتبعه المجتمع ..أعني التوجه القيمي والسلوكي. هذه أمثلة بسيطة توضح لنا صعوبة الانتقال من الطبيعة الدينية للمجتمع إلى الطبيعة العلمانية لاصطدام ذلك بإملاءات الواقع. إننا باعتبارنا بشرا وكائنات مفكرة تؤمن أن الاختلاف الفكري والاعتقادي وتعدد التوجهات والميول سنة كونية نطمح إلى أن نرى موريتانيا تتبنى مبدأ القرآن : “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” و ” لا إكراه في الدين ” و ” لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ” … و نأمل أن تتاح الحرية لكل فرد في اختيار معتقده ودينه ..وأن يكون هناك حوار بناء بين المختلفين (الدينيون واللادينيون ) قائم على العقل والمنطق لا على البذاءة وانحطاط السلوك.. هذا أقصى ما يمكن أن توفره الدولة لمواطنيها ..وهذا شرط من شروط الوجود الكريم. ليس من القائم فرض الدين على أحد .. ولا إرغام آخر على التمسك به أو الاستمرار في اعتناقه. لكن في المقابل ليس من المنطقي قبول تشكل تيارات أساسها الانطلاق من خطاب متطرف يستخدم أشد العبارات بذاءة في انتقاص وهدم مقدسات غالبية الشعب والمجتمع.

مولاي عمر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كريستيان: لست جاسوسا وقد اتخذ إجراءات قضائية ضد مسؤولين موريتانيين(جصري)

رؤيا بوست: نفى السيد كريستيان بروفيزيوناتو رجل الأمن الإيطالي الخاص الذي اعتقل بنواكشوط لأكثر من ...

اللحظة الثورية تستدعي مقارعة الوثنية الدستورية/ عبد الله حرمة الله

يسكنني امتنان لا ينفد لقائد الأمة الموريتانية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز. ...

error: المحتوى محمي من النسخ