إن الذاكرة العربية ضعيفة ، والوجدان العربي “طفولي” كالمزاج العربي ، يهيمن عليه الغضب الآن ليرضى بعد لحظة ، وهذا الأمر محمود في الأشخاص خاصة إذا كان بين المؤمن وأخيه ، أوبين الإنسان وأخيه الإنسان عموما . لكن حين يتعلق الأمر بكرامة وحرية مهتوكة وأعراض اعتدي عليها وأراض احتلت ، فإن النسيان وسرعة الرضى يكونان وقتئذ علامتين كبريين على السذاجة والحماقة وانعدام الذاكرة التي يحكمها المبدأ ، فتحتفظ بأعدائها وأصدقائها لكي ترد إلى كل جنس ما قدم … يقودني هذا لأذكر أن أمريكا قتلت صدام ودمرت العراق وشردت شعبها ، فغضب بعض العرب سويعات (أعني الشعوب) لكنهم بعد ذلك بفترة قصيرة تغيرت عواطفهم ونظرتهم إلى أمريكا بحكم اعتبار أغلبهم أنها هي “الأم الرؤوم” والدرع الذي يدافع عن السنة في وجه إيران . كان يسود الشارع العربي غضب عارم مما يجري في فلسطين لكن بحكم مرور الزمن وهشاشة الذاكرة العربية أصبح في حكم العادة ، وتحولت “إسرائيل” إلى فكرة مقبولة الوجود ومرضيته بشكل واع وغير واع ، بل وصل بها الوضع إلى أن صارت حليفا استراتيجيا لبعض الدول الخليجية . فجأة اجتاح الكثير من الدول العربية لهب أسود سمي الربيع العربي وقفت فيه دول الخليج ضد دول تعتبر آخر صفوف الدفاع عن الكرامة في العالم العربي ، فخاضت قطر والإمارات معا حربا مباشرة جوية ضد شعب ليبيا جنبا إلى جنب مع الناتو ، وحرض إعلام قطر على خراب الدول العربية (تونس _ سوريا_ ليبيا _مصر_ اليمن …الخ ) ، وشاركه في ذلك إعلام السعودية ، ودعمت كل من الدولتين الأخيرتين إلى جانب الدول الخليجية الباقية ، ودول أخرى كالأردن ، وتركيا ، الجماعات المتطرفة الساعية إلى تدمير سوريا … لا أزال أذكر ذلك كله ، لكن ما يلفت الانتباه ليس ما أتحدث عنه ، فهو كله متوقع ، لكن ما يثير الحيرة هو سرعة النسيان التي ابتلي بها العرب ، حتى لتجد الآن ، في ظل الأزمة القائمة بين دول الخليج من يمدح قطر بصفتها رأس الحربة في محور المقاومة ، وهذا نوع من النسيان المرضي الحاد أسميه “نسيان ما يجري” فهو نسيان لما يزال قائما ، فقطر لم تكف عن تعاونها مع إسرائيل بحجبها جرائمها عن العالم عبر الجزيرة ، وبعلاقاتها معها ، ولم تكف عن الاحتماء بأمريكا ، لكن الذاكرة الهشة لا تستطيع حفظ الواقع القائم . هناك في المقابل طرف آخر مصاب بنفس المرض ، يعتبر السعودية أم العرب وأسدهم الضاري، وينسى حاضرا قائما ، نظرا لحالته الصحية الخطيرة ، ونعني هنا قواعد الحماية الأمريكية و العلاقات السعودية الوطيدة بالصهائنة ، والحرب على اليمن ، وكون السعودية بقرة حلوبا … لو لم تكن الذاكرة العربية تعاني من هذا الزهايمر الحاد لما كان يمد إلينا سحنته شاب يخيل إليه أنه مثقف ليحدثنا عن شيم قطر أو السعودية ، ومحامدهما المزيفة ، لكن البيئة العربية لم تعد تميز بين الدواء والسم فصارت تبتلع كل ما تجد . إن التأزم السائد بين دول الخليج ، حسب ما تمليه علي ذاكرتي ، هو ثمرة سامة لتصدير الأزمات إلى الآخر /الأخ ، وهي ثمرة لا بد أن تجنى عاجلا أم آجلا ، فعلى الجاني تدور الدوائر . مولاي عمر