إشكالات فقه النوازل المعاصرة..محاضرة للدكتور الفقيه الشيخ ولد الزين ولد الإمام

لن تكون مداخلتى بحثا اكاديميا لضيق الوقت المخصص .
لذلك لن التزم بأدبيات ولوازم ومنهحية البحوث المحكمة .
سأكتفى هنا باثارة قضايا واعطى نماذج من النوازل المستجدة والتى ألزمت على من يحصل درجة الاجتهاد ان يرقى الى مرتبة لم يحصلها لضرورة الناس وحاجتهم للحلول . ولقد احسن الشيخ محمد المامي عندما قال :
بقينا وعصر الاجتهادات قد مضى
فما الراي ان لم يفت فينا مقلد
واما الذى لم يتبع نهج مالك
ويتلوه فهو الجاهل المتبلد
ينبغى الاقرار فى المبتدأ أن التغير الحاصل فى المجتمعات والذى لا يمكن الوقوف فى وجهه وضع الفقيه المعاصر أمام مهمة جليلة وهي تغطية المستجدات الهائلة بأحكام فقهية،
حاله حال القائل
القاه فى اليم مكتوفا وقال له
اياك اياك ان تبتل بالماء
ومن اجل القيام بهذه المهمة وبالنظر الى ان قضايا الاقدمين ومسائلهم لم تعد تسعف الحاضر ابتكر الفقيه المعاصر آلية اجتهادية اصطلح على تسميتها “التأصيل،” وقد سمحت له هذه الالية العبور بين المذاهب
ولا يعتبر هذا خروجا عن المذاهب ولا تلفيقا وبحثا عن الرخص بل هو عملية بحث واستكشاف للفروع والمسائل فى المذاهب الفقهية المتداولة بغية التخريج على ما يناسب الواقعة او الاخذ بقياس الشبه ان تعذر التخريج .
ذلك لان عجز الفقيه عن استنباط حلول لواقع الناس يناقض صلاحية الشريعة الاسلامية للأزمنة الحديثة وتلاؤمها مع مقتضيات كل عصر .
فالتأصيل الفقهي” مفهوم منهجي يُقصد به البحث عن أصل أو جذر فقهي ملائم لحكم مسألة مستجدة لم ترد في أبواب الفقه وليس لها أصل مباشر فيه، وذلك لبناء حكم شرعي عليه.
يمكن – بعبارة أخرى – القول: إن التأصيل الفقهي هو مَوْقَعَة حكم واقعة في إطار نسق الشريعة الإسلامية ومنطقها.
ويلتبس مصطلح التأصيل بمصطلحات فقهية:
فقد يلتبس بمفهوم “التفريع”، والتفريع توليد حكم من أصل، وهو عمل يدخل في باب القياس أو في باب الاجتهاد المذهبي إذا قُصد به “تخريج الفروع على الأصول”، وهو عنوان كتاب فقهي شهير لشهاب الدين الزنجاني الشافعي (ت. 656 هـ).
وقد اختصرت كتاب الزنجاني هذا في كتاب اسميته تذييل مختصر الزنجاني .
واذا كان الزنجاني قد تحدث عن اصول الخلاف بين الشافعية والحنفية فقد ذيلته باصول وتفريعات مالكية .
– قلت و يلتبس مفهوم التاصيل كذلك بمفهوم “التخريج”، والتخريج توليد حكم في مسألة؛ أو هو الحاق أصحاب المجتهد مسألة لم ينص عليها بمسألة نص عليها لان لازم المذهب يعد مذهبا والأصل عدم الفارق .
قال سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم فى مراقي السعود.:
وقول من قلد عالما لقي
الله سالما فغير مطلق
ان لم يكن لنحو مالك الف
قول بذى وفى نظيرها عرف
فذاك قوله بها المخرج
وقيل عزوه اليه حرج
وفى انتسابه إليه مطلقا
خلف مضى اليه من قد سبقا
وفي حالتي التفريع والتخريج يكون الأصل معروفًا والعملية لا تعدو إلحاق الفرع بأصله الفقهي المعروف ثم بناء الحكم عليه.
وبالجملة، فإن الفقه التقليدي كان يشتغل دائمًا من داخل النسق المذهبي أصولاً وفروعاً، في حين أن التأصيل هو فقه عابر للمذاهب ليس ذلك تتبعا للرخص كما ذكرنا من قبل ولكنه بحثا عن حلول ومخارج للمكلفين .
وكما قال الشيخ محمد المامي
وللنوازل احوال وازمنة تنوعت مثل الاحوال الأزامين
وكان العلامة الشيخ محمد المامي قد فطن الي الاشكال الزمكاني للفتوى
وأحكام باد غير أحكام حاضر
فذكر الضعيف والشهير تسامح
وأهل البوادي لم يولف عليهم
مسائل قبل التلميات كواشح .
الى ان يقول
وإن للبدو أحكاما تخصهم
مثل الألاء بها خص البساتين
ونجل شعبان واليوسي قد سكتا
عن أول سكتت عنه المدايين
والقيروان له بدو وحاضرة
يا فخر بادية منها الشعابين
والشعابين هما نجل شعبان واليوسي
كما فطن لنفس الإشكال النابغة القلاوي عندما قال
واحذر جمودك على ما فى الكتب
فيما جرى عرف به بل منه تب
لانه الضلال والاضلال
وقد خلت من اهلها الاطلال
ولعل اكثر هذه الواقعات لم ترد في مدونات المذاهب الفقهية عموما مما يحتم علي الفقيه النظر في مقاصد الشريعة واستقراء الادلة الكلية من اجل استنباط ما يناسب الواقعة .
إن تغير نظام الحياة تغيرا بينا ،أوجب على الفقيه المعاصر أن يكافح ليغطي كل المستجدات بأحكام فقهية تجمع بين روح الشريعة ومبادئها ونسقها المنطقي وبين التعاطي الإيجابي مع العصر والانخراط فيه؛ لأنه من دون ذلك سيكرس انعزالية الشريعة وتهميشها عن الحياة العامة، أي تكريس الموقع الذي فرضته عليها الدولة الحديثة.
ان الدولة الحديثة والحضارة المعاصرة انتجت ادوات للتبادل التجاري والاقتصادي مغاير بالكلية للنسق الذي،اعتادت عليه البشرية منذ ازمان سحيقة .
فالعقود تغيرت مسمياتها وشروطها وعلامات الرضا والحوز تغيرت كثيرا .
ومن تلك الواقعات والعقود المستجدة المتداولة