رأي

حرمة التطبيع “كتبة طايبة”/ محمد الامين آقه

تعليقا على فتوى العلماء في حرمة التطبيع :
قبل ايام اصدر بعض العلماء والائمة بيانا في حرمة التطبيع ..
ولا نختلف معهم في حرمة التطبيع مع الكيان الصهيوني ..
لكن البيان الذي اصدروه عليه بعض المآخذ..
الكثير من الفقهاء يتعامل مع مسألة التطبيع وكأنها من القضايا الكلية في الدين ، او من المسلمات الشرعية القطعية التي لا تقبل النقاش !!!
الاحتلال اليوم امر واقع ولا يؤثر عليه كون المسلمين طبعوا او لم يطبعوا ..
من أراد ان ينصر المسلمين في فلسطين فليفكر في طريقة عملية لنصرتهم
سوف نقطع العلاقة مع الكيان الصهيوني ..ولكن ..ماذا بعد ؟
هل سنقدم للفلسطينيين مساعدة ملموسة ؟
ام سنتركهم وحدهم يواجهون العدو..
وننتشي نحن بانتصارنا في معركة “قطع العلاقات” ..
نحن في هذه الحالة كمن يهدي للجريح مناديل يجفف بها دمه ثم يعتقد بان له الدور الابرز في علاجه !!
مازال بعض الناس يتعاملون مع مسالة التطبيع بموازنات العقود الماضية ويعطونها اكبر من حجمها ويظنون بأنهم يصنعون شيئا كبيييييرا..!!!
قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني كان ورقة منحها النظام العالمي لوكلائه في المنطقة تعينهم على كسب الشعوب المسلمة وإلهائها عن التقدم نحو المعركة الحقيقية ومواجهة العدو ..
وكانت الشعوب مخدوعة بشعارات القانون الدولي وحقوق الانسان وتقرير المصير والديمقراطية وترجو ان تحقق المقاطعة بعض الانجازات ! واليوم سقطت هذه الشعارات وادركت الشعوب زيفها ؛ وفي الوقت نفسه استغنى النظام الدولي عن تلميع وكلائه وتجميل صورتهم بعد سقوط الاقنعة وأصبحنا على مشارف نظام جديد اكثر تحكما واكثر بطشا..
وفي مثل هذه الاوضاع لا ينبغي التركيز على المقاطعة او الاكتفاء بها بل ينبغي الاهتمام بالكثير من الجوانب التي فيها دعم عملي لقضية فلسطين ..
ان طبعت الانظمة فجريمة القعود عن نصرة فلسطين اعظم ..
وان لم تطبع فإن ذلك لا يكفر سيئة القعود عن النصرة فلسطين ..
نريد من المنشغلين بالدعوة الى مقاطعة الكيان الصهيوني ان يقدموا للامة خطة عملية فيها دعم للقضية الفلسطينية يتناسب مع المرحلة ومستجدات الاوضاع ؛ اما مسالة التطبيع فهي “كتبة طايبة” .
نقول للشيوخ الموقعين : القضية الفلسطينية تنتظر منكم اكثر من توقيع على بيان ..فماذا قدمتم لها ؟
اشكل علينا ان الشيوخ لم يسلكوا موقفا ثابتا من مسالة التطبيع !
فمرة يحرمونها ومرة يسكتون عنها ؟
عندما اقام ولد الطايع علاقات مع الكيان الصهيوني صدرت من بعض الشيوخ فتوى جماعية تحرم العلاقة مع الكيان الصهيوني وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وكان من ضمنهم بعض الموقعين على الوثيقة الحالية..
وعندما سقط ولد الطايع جاء الحكم الجديد- وكان في ذلك الوقت متصالحا مع الشيوخ و الجماعات الإسلامية – لم يتكلم الشيوخ عن قضية التطبيع ولم يطالبوا بطرد السفارة الاسرائيلية !
بل انه لما هوجمت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط قام رئيس حزب الاسلاميين بانتقاد هذا الهجوم !
لماذا لا يكون هناك موقف ثابت من هذه القضية ؟
تعليقات على بعض الجمل :
١- قولهم : (فإن العلاقة مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين المحتل لبيت المقدس وأكنافه حرام لا تجوز بحال).
التعليق :
عبارة “لا تجوز بحال” فيها تعميم لا يناسب دقة الفقيه واحاطة العالم..!
هذا النوع من البيانات الذي يعبر عن موقف كثير من العلماء ينبغي ان يتقن سبكه وتنتقى الفاظه وتنقح معانيه ..
ان لفظة “لا تجوز بحال ” بعيدة من الدقة !
وينبغي ان يحذرها الفقيه ..لانها تنافي مرونة الشريعة
اين حال الضرورة ؟
وأين حال الإكراه ؟
وأين حال اجتهاد الحاكم الشرعي للمصلحة ؟
اذا كانت هذه العبارة لا ينبغي ان تطلق عند الحديث عن المحرمات القطعية التحريم مثل شرب الخمر وأكل الخنزير ، فكيف يجوز اطلاقها في حق مسالة من مسائل السياسة الشرعية المتعلقة بالمصلحة والمفسدة ؟!!!
٢- قولهم : (حقيقة هذا التطبيع هو مساندة ودعم كامل للصهاينة الغاصبين على كافة ما يقومون به من حصار وقتل وتدمير ولا يمت إلى الصلح بصلة،).
التعليق :
هذا التعريف غير مسلم به !
اذا كان التطبيع يعني إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني فهناك دول تقيم معه العلاقات وفي الوقت نفسه لا تعين على احتلال فلسطين بل تستثمر العلاقة معه في التواصل مع الفلسطينيين من أجل مساعدتهم كما هو الحال بالنسبة لتركيا وقطر ..
٣- قولهم (أما التطبيع المذكور فواقعه موالاة وموادة وتحالف مع العدو وتعاون معه في مجالات مختلفة ضد الإسلام والمسلمين) .
التعليق :
هذ المسألة تحتاج الى تحقيق المناط ..!
اذا كان التطبيع المذكور يعني مجرد إقامة علاقة سياسية مع الكيان الصهيوني فالتوصيف الشرعي الدقيق له أنه خذلان للقضية الفلسطينية ؛ وليس موالاة مكفرة وفرق كبير بين ان تخذل المسلم وان تناصر الاعداء عليه
فالاول محرم و الثاني مكفر ..!
٤- قولهم ( اعتراف للعدو بأرض فلسطين، واعتراف لهم بأحقيتهم في القدس وهو إقرار لهم بالسيطرة على بيت المقدس وبأنه لا حق للفلسطينيين – فضلا عن سائر المسلمين ).
التعليق :
في ظل النظام الدولي الحالي لا فرق بين الاعتراف وعدم الاعتراف فالقوة في النهاية هي التي ترجح الكفة .
٥- قولهم : ( كما يعد من أكبر الوسائل لتعزيز وجود الصهاينة ومدهم بأسباب القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية ).
التعليق :
الصهاينة موجودون من خلال المؤسسات الدولية التي تتعامل مع الحكومات بشكل رسمي .
وبالنسبة لهم فان قطع العلاقة لا يعني اكثر من اطالة الطريق الذي سيكون مختصرا بالتطبيع !
٦- قولهم : (إن هذا العدو الذي يروج للتطبيع معه قاتل المسلمين وأخرجهم من ديارهم وشرّدهم وقام بنحو مائة مذبحة، والتطبيع معه موالاة له محرمة بنص القرآن).
التعليق :
اذا كان هذا التطبيع موالاة فإن فاعله يحكم عليه بالكفر لقوله تعالى :{ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
وبهذا يكون البيان فيه تكفير لحكومات قطر وتركيا والمغرب !!
٧- قولهم : (والتطبيع مع هذا العدو خذلان لإخواننا المسلمين الذين يذيقهم هذا العدو الأمرين ويحاصرهم، وأقرب مثال على ذلك: غزة التي يحاصرها هذا العدو ويمنع وصول الغذاء والدواء إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره” رواه مسلم).
التعليق :
هل المحرم في الشريعة هو خذلان اهل غزة وحدهم ؟
اذا كانت القضية قضية نصرة شرعية فلماذا لا يكتب العلماء بيانا مماثلا يدعون فيه الى نصرة المسلمين في بورما وفي تركستان الشرقية وفي الهند ؟
٨- قولهم : (أن هذا التطبيع الذي يروَّجُ له يعني الترحيب بالعدو المحتل الذي أخرجنا من ديارنا وظاهر على إخراجنا ويعني استقبال وفودهم الحربيين وتكريمهم والركون إليهم).
لماذا لا يقول الشيوخ هذا الكلام في حق العلاقات مع الصين والهند والروس ويدعون الى قطع العلاقات معها ؟

ملاحظات سريعة :

١- لفت انتباهي ان الآيات التي بدا بها البيان تتحدث عن النصارى وليس عن اليهود ..!!
فمن العجيب ان لا يكون هنالك مغزى من ذالك ..
وان كان هنالك مغزى فالامر أعجب !
٢- الفتوى وردت في تسع نقاط كانت في المجمل تدور حول فكرتين او ثلاث لكنها مكررة!!
٣- لم يتم الافصاح عن الجهة التي قامت بجمع التوقيعات !
حتى لا يستغل العلماء من بعض الجماعات السرية التي تعمل في الخفاء ينبغي لهم الا يشاركوا في اي مبادرة مجهولة المصدر !
٤- هذا البيان بمنزلة فتوى شرعية وينبغي ان يقتصر فيه على من له أهلية الفتوى.
٥- يذكرنا هذا البيان او الفتوى بضرورة وجود لجنة من اهل العلم والفتوى تختص باصدار مثل هذه الفتاوى حتى لا يصبح الامر فوضى.
أخيرا :
جزى الله خيرا كل العلماء والأئمة الذين وقعوا الفتوى وتقبل الله منا ومنهم.
كتبه:
محمد الامين ولد آقه.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى