رأي

السياحة بعيون أهلها/ احمد ولد نافع

تعد السياحة في موريتانيا مجالا حيويا مدرا للدخل إلا أنه مازال ناشئا، فعلى الرغم أن موارده و مداخيله و عائداته ومكنوناته كبيرة لكنها لم تستغل لكونه لم يلقى بعد الإهتمام المطلوب من الحكومة؛ فبلادنا تمتلك مساحات شاسعة مترامية الأطراف تضم أنواعا نادرة من الحيوانات البرية التي إنقرض أو يكاد ينقرض جلها، كما تتوفر على شواطئ مشمسة على امتداد السنة تقريبا و بتربة بيضاء ناصعة و نقية تحيط بها من كل الجوانب محميات طبيعية غناء ذات مناظر خلابة تعج بحياة برية جميلة تسحر الزائر وتأسر مخيلته فهي لاتزال عذراء لم تستخدم، ناهيك عن المدن الأثرية القديمة التي تزخر بالدرر الثمينة من مؤلفات و كتب دينية و أدبية و شعرية و مخطوطات نادرة و قطع أثرية تليدة أدرجتها الأمم المتحدة ضمن التراث الإنساني الأصيل، و نذكر من هذه المدن الأثرية المسماة مدن القوافل مثلا “شنقيط” -أرض المنارة و الرباط مهد الأماجد من يعرب وقحطان – و كذلك وادان و تيشيت و ولاته و كومبي صالح و غيرها، حيث تقام من حين لآخر مهرجانات ثقافية و ترفيهية بشكل دوري بهذه المدن تحت إسم “مهرجان مدائن التراث”، و نظرا لأهميتها و ما تجلبه من مهتمين بالتراث الثقافي و الإنساني وسياح و زوار أجانب و محليين إلا أنها مازالت لا ترقى للمستوى المطلوب؛ و ذلك عائد لإنعدام الرؤى و الخبرات و التجارب لدى من تسند إليهم مهمة إدارة هذه المهرجانات و الإشراف عليها؛ فبقدر ما هي فرصة لجلب الإستثمار إلا أنها تعد سانحة ذهبية لآخرين من مقتنصي الصفقات و التربح و لو على حساب الوطن و تمثيله حق تمثيل في مهرجان مفصلي قد يأتي بمستثمرين أجانب همهم الوحيد الإستثمار بمجال حيوي يرون فيه عائدا كبيرا و دخولا مستقرة، لكن هؤلاء المستثمرين يصدمون حين يتقدم أحدهم للإستثمار ببلادنا لإنه لا يرى أو يلمس بيئة و لا مناخا آمنين لذلك الإستثمار، حيث تنعدم الرؤى و الأهداف و تُفتقدُ القوانين و التشريعات الصارمة المنظمة له لأنها غير زاجرة فهي بطبيعتها مائعة مُعدةً على مقاس البعض، لكونها قائمة على المحسوبية و الزبونية و الجهوية و القبلية و كأننا مازلنا نعيش في العصر الحجري، و يعزى ذلك الأمر لغياب دولة القانون و المؤسسات و إنعدام روح المواطنة و المسؤولية و تلاشي القيم الاجتماعية و الأخلاقية، و خير دليل على ما أقول ما حدث من عبث في مهرجان دبي أكسبو 2020 و الذي كان من المتوقع أن يأتي بنتائج إيجابية تعكس صورة نمطية عن البلد تعطي المستثمرين تصورا عن مناخ و بيئة الإستثمار ببلدنا، لكن تعلمون جيدا ما حدث من تجاوزات و إخفاقات دون أن يحاسب أو يسائل من إرتكبوها حتى لأنهم فوق القانون..؛ و تكلم أمور من بين أخرى حالت و تحول دون تقدم البلد بشكل عام و القطاع بشكل خاص لكي يساير و أهله الركب الحضاري و التنموي من حولنا و لنا في دول الجوار خير دليل، لكن السؤال المطروح هنا هل المعنيون بتسيير و إدارة القطاع لا يكترثون أم أنهم غائبون مغيبون..؟! لأن حقائق القطاع المزرية مَخفيةُُ على ما يبدو لا تصل للقيمين على الشأن العام، و هو ما تركه يرزح تحت وطأة التهميش و غياهب النسيان و حرمان الأكفاء فيه من أن يرتقوا مكانتهم اللائقة، و جُرمَهم في ذلك كونهم متشبثين بعقلية البناء و تطوير القطاع مهما كلفهم من ثمن، و تلكم سمات حميدة تتعارض و رؤى المتنفذين النفعيين الذين أتوا على الأخضر واليابس و لا تهمهم مصلحة الوطن و لا المواطن في شيء للأسف الشديد..

و بناء على ما تقدم و نظرا لإنعدام الأهداف و الخطط المستقبلية البناءة التي من المفروض أن ترسمها و تضعها الحكومات المتعاقبة في الحسبان سبيلا في تطوير القطاع، فقد جعل المستثمرين المحليين و الأجانب يحجمون عن الإستثمار فيه نظرا لكثرة المخاطر خوفا على ممتلكاتهم لأن رأس المال جبان بطبيعته، كما أن جائحة كورونا التي أرخت بظلالها مؤخرا على الإقتصادات في الدول النامية من تتمتع بإستقلال مالي معتبر و بمقدرات إقتصادية هائلة، فكيف بدول العالم الثالث من تنهشها أيادي الفساد المالي و الإداري و تنخر مفاصلها مظاهر الجهل و التخلف حيث يطغى منطق النفوذ و التسلط اللامحدود؛ إلا أن الأولى بفعل سياساتها الإقتصادية الناجعة و تغليب مصلحة بلدها العليا إستطاعت التغلب على الوباء و إنتشلت نفسها من الوحل، أما الأخيرة فحدث و لا حرج فالأزمات بالنسبة لأهلها فرص للربح و تبديد لمقدرات الدولة بحجج واهية، حيث تقام الورشات و الندوات و المؤتمرات و تصرف المليارات في السجع و السفسطة و الظهور الإعلامي فتطمس الحقائق لأنها مجرد مبررات للإنفاق المَهُولِ و الغير معقلن..

و هنا لا يفوتني أن أنوه بأمر مهم موجه للقيمين على الشأن العام مفاده أن الأمور لم تعد تطاق، و أن الحلول الترقيعية لا تفي بالغرض بل بات لزاما إيجاد حلول ناجعة للمشكلات التي يعاني منها بلدنا بشكل عام و قطاع السياحة بشكل خاص و من أهمها:

١- سن قوانين و تشريعات رادعة من شأنها أن تضبط و تنظم بيئة و مناخ الإستثمار ببلادنا و تقلل من مخاطره المحتملة

٢- إعطاء الأولوية للمختصين بالقطاع و منحهم الثقة الكاملة لتولي زمام الأمور بدلا من اللصقاء و المتطفلين عليه من جعلوه يبقى في المؤخرة دوما

٣- إحترام معايير الجودة و السلامة الغذائية في المنتجات و كذا التقيد بالترتيب العالمي المتبع في الفنادق و المطاعم و الذي يمنح بناء على جودة الخدمات، و وضع حد للهمجية في إدارتها من طرف الهواة و تبعيتها لإدارة مختصة تعنى بمتابعتها حتى تتماشى و معايير الجودة و السلامة المعروفة في نظم HACCP/ ISO

٤- تسهيل الإجراءات القانونية أمام المستثمرين الأجانب و المحليين على حد السواء و تقديم كافة أنواع الدعم اللازمة

٥- الإعفاء الضريبي و لمدة سنة كاملة لأي مستثمر كنوع من تشجيع الإستثمار و تجربته ببلادنا كما فعل الأتراك فصنعوا بذلك الفرق و إرتفعت قيمة عملتهم المحلية

٦- منح قروض ميسرة للشباب و خاصة المهتمين بالقطاع و بفترة سداد معتبرة تشجعهم على الاستثمار

٧- الإشراف الفعلي و متابعة تنفيذ تلك الإستثمارات و إلزام أهلها التقيد بالمعايير المهنية المتبعة في القطاع و إنزال أشد العقوبات بالمتجاوزين

٨- إجراء إحصاء شامل للمؤسسات السياحية و الفندقية و الخدمية العاملة على مستوى التراب الوطني، و كذا إقامة جرد عام لكافة الخريجين بالمجال و الإسراع في إدماجهم من أجل الإستفادة من خبراتهم لأن ذلك هو السبيل الوحيد و الأوحد لتطوير القطاع، و ما دون ذلك يبقى مجرد لعب و وَهْم لن يأتي بنتيجة مهما كان نوعها.

كامل الود

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى