الرئيسية / كتابنا / النخب و الخبز…صلاح الدين الجيلي
صلاح الدين الجيلي

النخب و الخبز…صلاح الدين الجيلي

أجدني مرغما على تحوير عنوان الكاتب الكبير إبراهيم الكوني ”الايديولوجيا و الخبز” بل أجدني على عكسه ظامئا لأي إيديولوجيا و لو فرضية قادرة على توفير الخبز لمعتنقيها أو القابعين في ظل سطوتها .

منذ عام 1960 و شريط الإنتخابات الممجوج يكرر نفسه بذات الأنغام ، بذات الوسائل ، بنفس النمط المريض المُمرض الفج ، سواء كانت الحملة لدكتور ضاع وهج عينيه بين صفحات الكتب ، أو جاهل لم تحك وركيه مقاعد الدراسة ، أو سياسي كذوب ، لم يمل الناس سماع كذباته ، هي ذات الحملة ، خيم و أبواق و لحى و مُرد و نساء و أشباه نساء .
تسأل الجميع لمن سيصوت ، فيكون الجواب أبعد ما يكون مما يجب ، لن يبقى معك من جواب ، إلا ما تستنتجه بأن الجميع لا يصوت إلا لذي مال أو ذي قربى أو لبومة خرقاء ، أو ديك بلا عرف .

لهذا الشعب قدرة خارقة على التكرار ، و قدرة فائقة على الإجترار ، لا يمل و لا يكل من إعادة نفس الرسم بذات الريشة المتلاصقة الزغب ، لا يمل من سماع نفس الأغنية و برغم أنها و مع تعاقب السنين لم تعد تطربه لكنه يسمعها على أي حال ، و بشارة أنها لم تعد تطربه ليست هنا فأل خير على تغيير قادم يحدثه ، بقدر ماهي دلالة على أنه يبحث عن أغنية أخرى لذات الحدث ”الإنتخابات” هو فقط يبحث عن تصور جديد لذات المهزلة ، أي تغيير المظهر لا الجوهر ، إن الشعوب السطحية لا يصل تفكيرها لجوهر الأمور أبدا ، بل قد تصل لمراحل من البؤس لا تبحث فيها إلا عن التغييرات الآنية التي توفر لها جوا من الفرح العابر ”خيام الحملات” بيد أنها تستطيع كمثال لا تراه قسريا عليها أو ضروريا ، أن تفكر بالمرشحين و ضرورة أن يكونوا مستحقين لصوتها ، لكن ذلك ترف فكري يستدعي النزول للقاع بينما السطح للإمعات أكثر رحابة .

يجد الكثير من نخب هذا الشعب المغضوب عليه ، أن الكلام عن الخبز ”العيش و أسبابه” عار و عيب ، و أنه لا يجب أن تكون القدرة على توفيره للشعب مقياسا أو معيارا لمن نستخلفه على شؤوننا ، بل إن المعيار الأول أن يكون المترشح منطلقا من حزب له شعبية كبيرة و أن يكون ذا خلفية علمية ما ، ثم حين ينجح ذلك المترشح و يتفاجؤون بأنه لا يعدوا كونه لصا ، لن تقرأ أو تسمع شيئا عن ذلك ، إلا عند الفقراء الذين دفعوا دفعا للتصويت له ، و الذين و في مفارقة غريبة ، لم يصوتوا له ، إلا لظنهم بأنه سيوفر لهم رغيف الخبز الذي تترفع عنه النخبة التي أغرتهم به ليصوتوا لصاحبهم .

لم يبتلى شعب على هذه المخروبة بنخبه ، مثلما ابتلينا ، أدر بصرك حيثما شئت ، أيام الحملات ، فالنخب هناك مثل الدجاج أيام الحر و الصر ، فهي إما قابضة أو باسطة ، قابضة على الميكروفون ، تبدع كذبا و تقطر إسفافا ، ثم باسطة أكفها توسلا و رجاءً ، و هناك حالة أخرى تكون فيها جميلة لطيفة ، حين تقبض على نخبوي متلبسا بفعل رومانسي ، و هي الحالة الوحيدة التي يكذب فيها بصوت هادئ و بعيدا عن الضجيج ، هناك حيث يؤسس لحزب كامل في أحضان امرأة ، تؤمن بالديمقراطية أكثر منه ، و بالمشاركة أكثر منه ، و بالإحتضان أكثر منه ، و بالآخر أكثر منه .

نخبنا مآسٍ متحركة ، و شطآن آسنة و ضفاف من وجع و عقد لا تحل و لا تفك ، لم أجلس يوما مع من يعدونه نخبويا إلا و صدمت بالكم الهائل من العقد المختفية الذائبة فيه ، حتى حين يٌشرح أوجاعنا إنما يٌشرح نفسه شاء أو أبى ، في نظرته لهذا الشعب احتقار و ازدراء .
لا يهتم الفقير الضائع الجاهل ، المثقل بأعباء الحياة بشهادات النخبوي المرشح و لا بأمواله ، فلن يذوق منها أوقية إلا مقابل رفع لافتة أو حفر حفر لتثبيت أوتاد خيمة ، و سيكون محظوظا من تم تأجير سيارته المتهالكة ليوم كامل ليربط فوقها بوق يعدد حسنات المرشح و حزبه كحمار العِقاب يُربط عليه المذنب معكوسا يجول به أرجاء المدينة ، كل ما يهتم له الموطوءٌ الجانب هو كسرة الخبز ، تلك التي يراها تٌرمى أمام عينيه في حاوية الأوساخ ، فتمنعه بقية من كرامة أن يتبعها إلا بعينيه .

انتخاباتنا لا تشبه أي شيئ رأيته في حياتي ، أنا الذي كنت أضحك في سري “طبعا” من الإنتخابات الليبية “التصعيد” و الذي ينتهي بمن تراه اللجان الثورية صالحا لها ، أحاول أن أقارنه بما يحصل عندنا ، فأجد بأننا لا نصلح للمقارنة بشيئ ، أحاول أن أعرف أن أدرك حجم التعاسة الذي نتمرغ فيه ، فلا أعي و لا أفهم ، النخب تقول بأن المشكلة من النظام ، و النظام لا يلام إذا دافع عن مصالحه بأي طريقة ، شأن كل الأنظمة التي تعاقبت علينا ، و لو أني لا أخشى أن أقول بأنه الأسوء و الأكثر سوءً ، لكن هل هناك عاقل يلوم سيئا إذا فعل ما يؤكد سوءه ، في نفس الوقت الذي لا يدرك فيه فقراء الشعب المطحونين بأن نظاما كهذا لن يقدم فتات الخبز لهم أحرى أن يكون ذلك جزءً من مشاريعه و “إنجازاته” ، كيف إذا يصوتون لهذا النظام ، أو كيف ينجرون أصلا لانتخابات تكررت فصولها و عرفت نتائجها ، ثم ألا يسأل أحدهم نفسه ، من أين كل هذه الأموال التي يراها تبعثر فوق رأسه ، في ذات الوقت الذي يؤوب فيه لأهله حاملا قيمة مائتين من “باسي” و مائة من “سليا” .
أعتقد بأن المرء إذا عجز عن التغيير ، يكون جبانا ،أو مغيبا ، إذا أردنا التبرير له ، أما عجزه عن التفكير فهو لا بد أن يكون عرضا لمرض ما .

في الحملة الإنتخابية هذه ، رأيت بأم عيني دكتورا كبيرا ، يصفق خلف سياسي لم يدخل المدرسة يوما ، و كان السياسي يتكلم بلغة تشبه العربية ، لم يطل و قد لمس بأن التفاعل مع عربيته ليس كبيرا ، فتكلم بالحسانية ، لكن ما لفت انتباهي أن الدكتور “الذي لم أرفع بصري عنه” كان يصفق لكل حرف من تلك العربية.

كان يصفق تصفيقا حارا بعينين لامعتين ، فرجعت بي الذاكرة ، لليلة اتصل بي فيها طالبا مساعدتي في إيجاد بعض المراجع من عند صديق لي ، و أكد بأن ما يهمه أكثر من غيره كتاب ، السياسة في روما القديمة .

ترى هل قرأ الدكتور الكتاب .


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

دراسة تؤكد بأن تحديد تاريخ الانتخابات البرلمانية في 2018 خرق للدستور

رؤيا بوست: بدأت الحسابات السياسية تربك المسار الانتخابي،فبعد مخاض عسير عرفه الحوار الوطني، تم تحديد تاريخ ...

كريستيان: لست جاسوسا وقد اتخذ إجراءات قضائية ضد مسؤولين موريتانيين(جصري)

رؤيا بوست: نفى السيد كريستيان بروفيزيوناتو رجل الأمن الإيطالي الخاص الذي اعتقل بنواكشوط لأكثر من ...

تعزية رئيس اتحاد أرباب العمل لأسرة أهل محمد الأغظف

الى اسرة المرحوم شيخنا ولد محمد الاغظف ﻳﺎ ﺍﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ ﺍﺭﺟﻌﻲ ﺍﻟﻰ ﺭﺑﻚ ﺭﺍﺿﻴﺔ ...

error: المحتوى محمي من النسخ