
رؤيا بوست: بعد أسبوعين يغادر رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز السلطة التي وصلها بعد انقلاب تلته انتخابات ديمقراطية، وفتح الرجل فصلاً جديداً من التاريخ كما علقت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في تقرير تحت عنوان “الخلافة بالتراضي في موريتانيا” وسواء كان ما جرى يوم 22 يونيو وديا أو ب”بالتراضي” المؤكد وحسب الصحيفة ذاتها أنه فصل من تاريخ موريتانيا كتبه اثنان من كبار الضباط السامين المتقاعدين محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني، أو بالأحرى كتبته المؤسسة العسكرية والمجلس العسكري للدولة الذي وعد بالسير تجاه التطبيع مع الحياة الديمقراطية.
مثّل عام 2007 المحطة الرئيسة في الانتقال الديمقراطي الموريتاني بوصول أول رئيس مدني منتخب للحكم، لكن انقلاب أغسطس 2008 الذي قاده الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد عبد العزيز” أنهي تلك التجربة، غير أن المعارضة الموريتانية بجانب الاتحاد الأفريقي وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية والمجلس العسكري الأعلى للدولة استطاعوا عقد اتفاق “داكار” الذي وضع أسس العودة إلى المسار الديمقراطي، فأُجريت انتخابات رئاسية في عامي 2009 و2014 فاز بهما الرئيس “ولد عبد العزيز”.
و بعد توطيد الديمقراطية وعلى بعد ايام من تنحيه عن السلطة لا تزال ورش الأعمال والمنجزات جارية على قدم وساق، حيث تتواصل الاشغال في المستشفيات والمنشأت التعليمية والمتخصصة والتوسعة الضخمة لمركز الاستطباب الوطني، والانتهاء من اشغال مستشفيات متخصصة في أمراض للقلب والفيروسات المعدية، عوضا عن مشاريع البنى التحتية من شق الطرق وتعبيدها، وتشييد مطار دولي حديث، والموانئ كميناء تانيت، وميناء انجاغو، والاشغال الجارية في توسعة ميناء نواكشوط ، وإنشاء جامعة عصرية، وإنجاز مشاريع المياه والطاقة التي كانت حلما عز على الأنظمة المتعاقبة في البلاد.
بناء جيش جمهوري، وتطوير القوات المسلحة وقوات الأمن جعلت من موريتانيا شريكا أساسيا مع المنظومة الدولية في محاربة ظاهرة الإرهاب، وأمس وضع الرئيس “عزيز” حجر الأساس لأول قاعدة بحرية في البلاد، وقام بتدشين سفينة حربية هي الأولى من نوعها في تاريخ القوات البحرية الوطنية تسمى “النيملان” رمزا للمقاومة ضد الإستعمار حيث المعركة الشهيرة التي وقعت في تكانت سنة 1906.
كما أنه تعززت في عهده فرص الاستثمار الاجنبي وحظيت البلاد باكتشافات بترولية هائلة من الغاز المسال لم تسل لعابه للبقاء في السلطة، وإنما اصر كما كان يكرر دائما على انه سيسلم السلطة كما ينص على ذلك الدستور احتراما لتعهداته.
كانت الانتخابات الشفافة إلى حد كبير أول انتخابات في تاريخ الدولة الموريتانية لاختيار خليفة لرئيس منتخب ديمقراطيا.
وقد أكد الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز في مؤتمر صحفي قبل التصويت بفترة وجيزة أنه لن يشغل أي منصب حكومي خلال حكم سلفه، كما أن التزامه باحترام الدستور لم يكن محل نقاش.
“الخلافة السلمية”
بين رجلين “عزيز غزواني” وإن كانا مختلفين في الطبع، إلا أنهما لم ينفصلا منذ لقائهما في المدرسة العسكرية.
مرا بمحطات عديدة اثبتت الوفاء والعهد، خاصة بعد حادثة رصاصة اطويلة التي تختلف الروايات حولها، إلا انها ابانت عن خلق الوفاء وتسيير صارم لحفظ امن وسكينة البلد اعترفت به حتى المعارضة لقائد اركان الجيوش حينها الفريق الركن محمد ولد الغزواني. فاقرت بأنها ستوقف المسيرات الاحتجاجية والتصعيد الجماهيري بعد لقاء جمع اقطابها مع الرجل الذي امسك السلطة بيد من حديد داخل قفاز من حرير حتى عودة صديقه.
منذ انقلاب ولد عبد العزيز في 2008 على الرئيس المدني الثاني الذي عرفه الموريتانيون بعد ولد داداه لم تهضم المعارضة استمرار الجنرال المنقلب في الحكم كما تسميه، وغالبًا ما استخدمت سلاح المقاطعة ورفضت على وجه الخصوص المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لعام 2014.
لكن جميع أحزابها وشخصياتها الرئيسية عادت إلى اللعبة الديمقراطية في الانتخابات التشريعية الأخيرة في سبتمبر 2018 وكررت مجددا أن خياراتها كانت فاشلة، حيث بصم زعيم التكتل بأن المقاطعة اخرجتها من سياق الحياة السياسية التي بدأ مشهدها الديمقراطي يبدوا أكثر نصاعة في بلد افريقي رغم الغيوم التي تلبد سماء الجوار.
رؤيا بوست