فوجئت اليوم وأنا اطالع مواقع التواصل الاجتماعي بوجود إعلان لتظاهرة تأبينية للراحل أحمدو ولد سيد ألمين تحمل “لوگو” حزبي، وتذكرت مقولة لأحد الفلاسفة يقول فيها بأن هناك أوقاتا لا يكفي قول الحقيقة فقط، بل يجب الصراخ بها، ورغم أن البعض يرى من الوضع حقا مشروعا، إلا أن آخرين يرون فيه تجاوزا واستغلالا للصدقات والمآتم وغيرها سعيا لزيادة الشعبية، و حتى يخرج كل مسلمي موريتانيا عن بكرة أبيهم ليصوتوا على ذلك الشعار في الانتخابات حسب ما يخطط هؤلاء.
لقد حاول التواصليون مرارا أن يلفوا فاجعة وفاة “أدَّو” بعباءة حزبية خالصة، إلا أن الراحل بحجم أمة ولم يستطيعوا اختزاله في حزبهم وانصاره وداعميه، وممولي نشاطاته، و ظلوا يتحينون الفرصة، ويطلقون إشارات خجولة حتى سنحت لهم فطفقوا يوزعون ملصقات التأبين واضعين شعارهم بجانب صورة الفقيد في استغلال سياسي صارخ، فحتى لو سلمنا بأن سيد أحمد-رحمه الله- كان حزبيا –وهو لم يكن كذلك- إلا أنه لم يظهرها في حياته، ولم يصل لعلمنا أنه حضر نشاطا للحزب المذكور ،ولم يطلق تصريحا تشتم فيه رائحة انتماء سياسي ما.
ولا شك- كذلك- أن افرادا من أسرة الفقيد لن يحضروا النشاط المذكور، لأنه نشاط حزبي سياسي رغم شعار التأبين الذي غلب عليه لون الحزب وشعاره.
ف “الجماعة” اعتادت أن تغازل كل من يقوم بعمل خيري حتى ولو كان يوزع “بنية فالترحيل”، وتكيد لكل من يقوم بعمل خيري خارج إطارها كما تم مع إحدى البرلمانيات التي اتهمتها وسائطه الإعلامية بأشنع تهمة وأقبحها دون دليل مادي، حيث ساقت تلك المواقع -في استغباء للقارئ ومحاولة جعله يصدق أي كلام- تهما بالتبشير ولم تقدم دليلا واحد على الأمر، اللهم إلا إذا كانت البرلمانية المعنية تقوم بأعمال خيرية وتنافسهم في السياسة وتهزمهم كذلك بذات سلاح “العمل الخيري”، خدمة للجهة التي يميل لها فؤاد تلك المواقع رغم ممارسة “التقية” الإعلامية.
ويمكننا إنعاش الذاكرة قليلا بالعودة لسنة 2008 للتذكير بأن “الجماعة” اعتادت على استغلال مطالب الجامعيين بالمسابح وتحسين خدمة المطاعم، ورفع المنح الدراسية، ورفضهم الفطري للعلاقات مع إسرائيل ودفعت بهم للشوارع، في حين تخندقت “القيادة” خلف الأبواب الموصدة والمقاعد الوثيرة، والمكيفات الملطفة للأجواء والمكاتب الفخمة حيث يتناولون العصائر الطبيعية، فقد منعتهم “المصلحة الحزبية” من رفض حكومة مُطبعة مع الكيان الصهيوني، و قال رئيسهم بالحرف وهو تحت قبة البرلمان حينها : لن نطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل حتى تطلبها الحكومة” والحكومة حينها لم تطلبها، في حين كان يحرض الطلاب والمراهقين على حرق علم الكيان المحتل وترك فصول الدراسة وقاعات المحاضرات، وتعريضهم للاعتقال والسحل في الشوراع من شرطة اعل ولد محمد فال، بسبب حميتهم للأقصى ولفلسطين وبتحريض من جميل منصور ورهطه اللذين رفضوا تحريك ملف العلاقات مع إسرائيل عندما جلسوا على الكرسي الوثير، واستوزر النظام بعضهم في تلك الحكومة التي تربطها علاقات مع إسرائيل، فكهذا اشتروا صمتهم مقابل وصل الترخيص لحزبهم “تواصل”.
اتذكر –في هذا الصدد- تغريدة اطلقها محمد غلام القيادي في حزب النخلة قال فيها بالحرف أنهم-أي تواصل- لم يعودوا مستعدين لسد أفواه الجياع عن النظام، في إشارة واضحة لتوزيع اللحوم والأرز والسمك وما جاد به أمراء الخليج وسلطان تركيا التي تمزج بين الاتاتوركية والعثمانية عليهم.
ومحل السؤوال هنا هل كان فعل الخيرات لله أم للسياسة، أما صدقة السر وتحضير النية فلا تسأل عنها في ذلك الموقف.
اخبرني أحد عمال شهبندر تجار تواصل السابق بأن هيئة سودانية -توزع سماعات الأذن على فاقدي السمع- وصلت أحد الفنادق بنواكشوط وعلم بها التواصليون فجلبوا على “الأوتيل” خيلهم ورجلهم، ودخلوا في نقاش الهيئة الخيرية من أجل وضع شعار الحزب على الباندارول الإشهارية للنشاط الخيري وهو ما رفضه السودانيون بشدة حتى أضطر التواصليون لاستخدام نفوذ الشيخ محمد الحسن ولد الددو فأحضروه للجماعة التي لم يعد بإمكانها إلا التسليم بالأمر الواقع ووضع شعار الحزب على لوحة العمل الخيري وإدخاله في دهاليز السياسية سعيا لاستعطاف عامة الناس واستخدام ميولهم الدينية لأغراض مخالفة لن تخرجهم من الشهبات ، ولن تجعلهم بالتأكيد يهيمون حبا في حزب تواصل.
يقال بأن لينون الذي وقف إلى جانب نيرون وهو يرى روما تحترق بفعله أن الملك المجنون سأله عن شعوره حينها، فاجابه بأن المدينة قد تجد من يعمرها، لكن المؤسف هو انه اجبر شعبه على تعلم شعر رديء وقتل فيهم المعاني وقد لا تجد من يحييها.
لذلك يجب أن نترك المأتم مأتما والسياسة سياسة والعمل الخيري خيريا، حتى لا تموت فينا المعاني وتختلط علينا المناسبات.