رأي

كفانا صمتا عن إغلاق مطار النعمة/ أحمد ولد نافع

عزيزي القارئ سأخرج عن صمتي قليلا لأبين أمراً مَهولاً بقي طي الكتمان لعقودٍ خلت و حُقَّ لي ذلك، و عليه أعذروني أو صنفوني إن شأتم فليس لديَّ ما أخسره و الله على ما أقول وكيل و عليه معولي و إليه أنيب..
إلى من يهمهم الأمر..
إن المتتبع لأحوال ساكنة الشرق -كبيرة الحجم صغيرة المعنى في نظر البعض حسب ما هو جليُُّ- و ظروف عيشها المزرية و تجاهلها و تهميشها من طرف حكام و أنظمة هذا البلد الذين تعاقبوا عليه ردحاً من الزمن، إذ يوحي بمدى إستخفافهم بهذه الجهة و منعها حتى من الحصول على أبسط مقومات الحياة، و هي التي لم تقصر في حق أي كان، بحيث تحتوي على أكبر خزان إنتخابي خدم الكل ووصل عن طريقه الكثير إلى سدة الحكم، و ذلك عائد للبراءة و عدم فهم أو إدراك الأمور على طبيعتها، فبدل أن يكافؤوا على ذلك همشوا و نظر إليهم بإزدراء حتى وصل الحدُّ بالبعض لدرجة التهكم عليهم ووصفهم بالخزان الإنتخابيِّ الهزيل، فما فتأ صاحبها أن إعتذر معتبرا إياها زلة لسان فطويت تلك الصفحة و تناسوها لكبر شأنهم و علو هامتهم-كما يقول الشاعر:(لا يحمل الحقد من تعلو به الرتبُ..)-مع العلم أنهم أناس مُجهَّلين عبر الحقب و بصفة مدروسة و معقلنة، و مع هذا فهم أهل حربة و شوكة لا تكسر طوَّعتِ المستعمرَ و أزلامه حتى أخرجوه من البلاد صاغرا، و لم يشفع لهم ذلك أيضا فقد حرموا منذ مطلع تاريخ هذا البلد -الذي أصبحوا فيه غرباء- إبان حكم هذا المستعمر و بعد الإستقلال من التعليم و الصحة، فلا مدارس و لا معاهد و لا معامل و لا مصانع شيدت لإحتواء الفقر المدقع الذي خلفه الجفاف في تلك الحقبة حيث نفقت كل المواشي، و لم يقضى على الجهل الذي أرخى سدوله بين الأوساط و يأبى الله عن ذلك لأن هنالك أناسُُ خيِّرونَ عَمرُوا الأرض ووهبوها أنفسهم سبيلا في إعلاء كلمة الله و نبذ الذُّلِّ و المهانة و الدفاع عن كرامة الإنسان، فهي منطقة خاوية على عروشها إلا من المحاظر العلمية الكبرى العريقة و الغنية بأهم و أعظم المتون، حيث خرَّجتْ علماء و فقهاء و جهابذة في حفظ القرآن الكريم و الرواية و أصول الدين و الفقه و علوم اللغة العربية، و قد ساهموا رغم شُّحِّ الموارد و قلة الإمكانيات في نشر العلم عبر ربوع الوطن و على نطاق واسع ممتطين ظهور العِيسِ و على الجياد و عبر الصحراء الكبرى من شنقيطي إلى تنبكتو بمالي متجاهلين كل المخاطر و مُقدِّمين المصلحة العامة على غيرها موثرين بذلك”على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة”…
كما إنتهج أهل هذه البقعة من المنتبذ القصِّي كذلك منهاجا خاصً لدحر المستعمر الغاشم بشتى الوسائل و حاربوه ثقافياً و فكرياً من ما منح هؤلاء الحكام المتعاقبين على البلد ذريعة لمنعهم من تشييد أي بُنىً تحتية بالمنطقة، و بقيت على ما هي عليه لحين تعقل البعض و تبصَّر لمصحته فقط و تأمل و أعاد النظر فمُنحتِ المنطقةُ فتاتاً من هنا و هناك لا يسمن و لا يغني من جوعٍ و هو ما يتشدق به البعض حاليا و يزايد و بوجه من حديد..
لكن اللافت في الأمر أن ساكنة هذه المنطقة عاشت أسوأ كابوس في حياتها حيث تركت للمستعمر بعدته و عتاده تقاتل و تدافع عن نفسها و أهلها بشراسة، فقتل منهم من قتل و هجر و نفي من نفي و أعدم من أعدم و بإيعاز من البعض للأسف و تم تجاهل ذلك و محوه من ذاكرة الأجيال، و رغم هذا كله فمازالوا يقاومون و يكافحون قساوة و مرارة العيش وضعف الموارد فهم يعتمدون في نمط عيشهم على تربية المواشي و الحلِّ و الترحال أين ما ثقف الكلأُ و المرعى، و هو ما وضعهم كذلك أمام تحدٍ آخر هو التنقل و المُقامُ بالأراضي المالية حيث غابت الدولة الأم هنا و تركوا كذلك لمصيرهم أمام غطرسة قُطاَّع الطرق و المتسلطين الماليين و كذا الحيوانات المفترسة فالكلُّ يترصدهم، فلا سبيل إلا المواجهة و أحيانا تكون دامية، كما لم تسلم من هذه الإعتداءات المتكررت مدن بعينها منها جگني و لبزية حيث تعرضت لهجمات من الجيش المالي لكن بسالة أهلها دحرته فرجع منكسرا، إثرها لم تحرك الدولة ساكنا و كأن هؤلاء المواطنين من الدرجة الثانية أو أكثر بكثير و لا أمل يلوح في الأفق لتسوية المشاكل العالقة سوى المواعيد و التعهدات بأمور زائفة و عارية عن الصحة يعرفها القاصي و الداني..
أما في ما يخص التعيينات و تقاسم الحصص من مقدرات الدولة فلم تحظى إلا بأقلها وزنا و قيمة مادية و معنوية و هو تمييز وجب تبيانه..
و في ما يخص المعادن النفيسة و مكنونات الأرض فلم تحظى المنطقة و لو برخصة واحدة لتنقيب أليس هذا الأمر تعمداً أم أن المعادن لا توجد بهذه الأرض أم ماذا..؟!
أما في ما يخص المؤسسة العسكرية فستجدون أبناء هذه المنطقة في الخطوط الأمامية للقتال و في مرمى النيران للذود عن الوطن و الدفاع عن الحوزة الترابية، في حين أنهم مهمشون و لا يحصلون على الترقيات المناسبة و اللازمة و إن تقدموا في الخدمة و إستحقوها تتم إحالتهم للتقاعد لكي لا يستوفوا الشروط المخولة للترقية، فيحصدها آخرون و تراهم يضعون النياشين و هم قابعون في البيوت تحت المكيفات الهوائية أمام شاشات التلفاز أو بالسيارات الفارهة، أو مقضين عطلهم بالخارج مع أهلهم و ذويهم، و القائمة تطول حيث يضيق المقام عن ذكرها..
لكن و لله الحمد فالمنطقة حباها الله بأنها بوابة إقتصادية كبيرة متاخمة لحدود ثلاث دولٍ تعتبر صمام أمنها و شريانها النابض و هو ما يعود بالنفع على المواطن البسيط و يدرُّ له دخلا لا يستهان به، و هو بالطبع ما تحسد عليه الآن و سيحتدم الصراع حوله فالأمر أشد و لا يدركه إلا المقيمين، و ليس ما تلاحظون مؤخرا من إعلان الدولة نيتها إغلاق مطار النعمة إلا خير دليل على اللعبة التي تمارس على المنطقة منذ زمن بعيد، فبعد أن حرمت من بناء مطار دولي صودق عليه من طرف مجلس الوزراء في عهد النظام السابق، و موله صندوق الكويت للإنماء بالإضافة لمانحين آخرين هاهو يقفل و دون سابق إنذار..
كما حرمت المنطقة طريقا سريعا كان متوقعا يربط مدنها بالعاصمة إنواكشوط، فبدلا من ذلك تركت لمصيرها و المرور عبر طريق متهالك لم يخضع أصلا لمعايير السلامة، و قد حصد الكثير من الأرواح منذ تشييده لحد الآن، كما حرمت كذلك من خدمات الماء و الكهرباء و غيرها..
و حين أرادت الدولة إستحداث مدن عصرية بمواصفات معينة بغية الحد من التقري الفوضوي، تعرفون كيف جيدا كيف كان نصيب المنطقة من هذه العملية فقد حصلت على مدينتين هما ترمسه و إنبيكة الأحواش و الواقعتين بولاية الحوض الشرقي أكبر ولايات الوطن من حيث المساحة و السكان، و هما أشبه ما يكون بعرين للحيوانات منهما لسكن يليق بالبشر الذي كرمه الله فوق سبع سماوات فأهانته حكومات و أنظمة موريتانيا المتعاقبة، مما حدى بالمعنيين من الساكنة لرفض التنقل و مبارحة مكانهم فبقيت حبرا على ورق مقارنة بمدينة الأشباح الشامي و التي تعرفونها جيدا حيث الإنارة و الطرق و المواصلات و ما إلى ذلك..
و نحن إذ نرفض رفضا قاطعا و نحذر من التمادي في هذا الصدد و نرجو أن تعدل الدولة عن قرارها القاضي بإغلاق مطار النعمة الدولي، و لا نعول أصلا عى ساسة المنطقة بتاتا فهم من جلبوا لنا المهانة و التهميش، و عليه فكلنا أمل أن ينظر لمطلبنا هذا بعقولٍ متبصرةٍ فالمآمرة كشفت و سقطت الأقنعة و ما تزال تسقط تترى و على الله بالتمام…
#لا لإغلاق مطار النعمة الدولي..
كامل الود..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى