في إحدى الدول العربية توجد مصانع كبيرة لإنتاج البيض والدجاج يديرها لواء في الجيش تحت إمرته عسكريون ويعمل الجنود في انتاج لحوم وبيض الدجاج، وكأنك في كتيبة تصدر اصوات نقنقة الدجاج.
هذه العملية التي تفتخر بها السلطات في ذلك البلد وتتحدث بكثير من الاعتزاز عن الانتاج الحربي في حين أنها تستورد اسلحة الجيش من البندقية وحتى الدبابة والصاروخ والطائرة من الخارج وتتلقى معونات تصل في اقصاها ل35 مليار من الولايات المتحدة الامريكية بموجب اتفاقية إسطبل داوود.
ولم يتمكن جيشها من القضاء على بؤر الإرهاب،رغم أنه مصنف 14 عالميا بسبب أولوية تفقيس البيض لدى قادته.
وقد عاد بي الأمر لندوة حضرتها منذ ايام عن مساهمة الجيش الموريتاني في التنمية ،وقد تم تسجيل ارقام تثير الاعجاب من ناحية قدرات الجيش وتوفره على آليات وخبرات هامة، لا يخشى ان تحيد به عن مهمته الأساسية.
وقد تركز الحديث عن دور الجيش في التنمية كما هو الحال في الجزائر مثلا في خطة تسعى لتوفير مداخيل تقلل من إنهاك الدفاع للميزانية العامة للدولة.
في ظل ارتفاع تكاليف الشركات الأجنبية وفشل المؤسسات المدنية وعدم جدوائيتها في إقامة منشآت خدمية وفقا لمعايير متعارف عليها دوليا.
كما أنه قد يقول قائل بأن بعض منشات الجيش نفسه تستدعى وجود خبرة لدى الهندسة العسكرية في تشييدها حفاظا على طابعها الأمني.
كما حدث من خلال بناء سلاح الهندسة العسكرية لمدرج طيران حربي في منطقة التيارت الواسعة الوعرة تقدر مساحته ب88.000 متر مربع وتم تنفيذ بتكلفة تبلغ اقل ثلاثة ارباع من التكلفة التي عرضتها بعض المؤسسات حسب عقيد من الجيش اكد بان تلك المنطقة لم تكن أية شركة مدنية بإمكانها الوصول إليها نظرا لوعورة المسالك .
وهو ما ولد انطباعا بأن الجيش الموريتاني حاليا –بعد عقد من قيادة الفريق ولد الغزواني- قد نجح لحد كبير في الموازنة بين الانشغال بجمهورية الجيش ومهنيته وهو ما اكده مؤشر GTI العالمي حول الدول التي استطاعت ابعاد شبح الإرهاب، مع اكتسابه للخبرات الإنشائية في مجال البنى التحتية والاستصلاح الزراعي والتعليم الذي اثبتت من خلاله القوات المسلحة كفاءتها العلمية في مستوى الدفعات التي تخرجت من الثانوية العسكرية والمدرسة العليا متعددة التقنيات والمركز العالي لتعليم الإنجليزية الذي تأسس بعد أن رد مسؤول بريطاني على ضابط موريتاني طلب منه التعاون في مجال تقديم منح دراسية للجيش الموريتاني فأجابه ببرودة الأعصاب الإنجليزية المعهودة وهو يحتسي القهوة ..الإنجليزية لم تعد مشكلة بريطانيا، بمعنى أنه على جيشكم أن يتعلمها.
كما أن الجيش الموريتاني وقوات الأمن قد احدثت نقلت نوعية على مستوى التسليح والتدريب والانتشار واليقظة الدائمة، وارتفاع معنويات الافراد، بعد تتالي العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإرهابية المسلحة منذ 2005.
وحققت اكتفاء ذاتيا في الملابس العسكرية، بعد أن كانت الأركان تستورد الزي العسكري من الخارج.
وللحديث عن حدود وضوابط مساهمة الجيوش في الاقتصاد كما ذكرت بعض الدراسات المتخصصة توجد تلك الأنشطة في بعض جيوش الدول الغنية أو الفقيرة على السواء, ففي الدول الغنية مثل الولايات المتحدة الأمريكية , يشارك سلاح المهندسين في الأنشطة الاقتصادية، خاصة الإنشائية الكبيرة, سواء داخل الدولة أو خارجها, مثل المواني والمطارات العسكرية والمدنية, حيث يشكل ذلك عائدا هاما يستخدم لصالح القوات المسلحة ومن خلال الدولة….
أما في الدول الفقيرة، خاصة كثيفة السكان , والتي يزيد فيها عدد الشباب اللائق صحيا واجتماعيا للتجنيد (الوعاء التجنيدي) عن احتياجات جيوشها, فإن بعض الجيوش تخطط لاستغلال هذا الفائض كأيدي عاملة اقتصاديا كما يحدث في مصر مثلا حيث يساهم الجيش في 52٪ من الاقتصاد في تجربة جعلت الجيش يتغول على الاقتصاد بسبب الوية تفقيس البيض!
ويذكرنا التاريخ الموريتاني بصورةمأساوية – لا ارى أن مبررات تتكرارها توجد الآن_عندما انشغل عقداء الجيش الموريتاني في السبعينات بالسياسة والاقتصاد وسجلوا رقما قياسيا في عدد الانقلابات, بعد الصراع على خلافة ولد داداه، و بات الجيش مكشوفا للعدو وتوالت الكوارث، لأن كامل القيادات العسكرية اصبحت اعضاء في الحكومة التي اصبحت عسكرية بامتياز، ولديهم مكاتب مكيفة بعيدا عن خنادق الحرب وجبهات القتال، وأصبح الجنود مكشوفين للعدو وبدون قيادة ميدانية ما شجع العدو لتكثيف هجماته ومن بينها الهجوم الغادر على تشلة 12 /07/1979 للضغط على موريتانيا للاعتراف بالحركة، والمصيبة أن الحصيلة كانت أزيد من 30 جندي، واعتقال 71 من ضمنهم الاداريين كلهم (الحاكم و معاونيه ) .
ويتذكر البعض مقولة احد عقداء الجيش الوطني حينها في اللجنة العسكرية للخلاص الوطني عندما تم تقسيم قطاعات الدولة على اعضاء اللجنة أنه قال “حمي بابور” أي أنه يريد أن تكون إدارة الميناء البحري من نصيبه.
واقع بات بعيدا الآن حيث تصعد سلم الديمقراطية، وتعزز من قدراتها في التصدي للمخاطر المتعددة والتحديات الجمة التي تميز عالم اليوم بفضل القيادة الواعية لأركان الجيش.
المامي ولد جدو