بما أن الوعي هو تصور الذات لموضوع معين كما يقول غولدمان ، فإن الوعي الجمعي للمجتمع الموريتاني هو عبارة عن تمثل للواقع بعين مصدر رؤيتها مزيج من ثقافة جاهلية وأخرى إسلامية تنتمي إلى القرنين الهجريين الأول والثاني . وهذا المزيج أورث وعينا نوعا من الاضطراب والتذبذب ، الذي ينعكس في ممارساتنا وسلوكاتنا اليومية ، وفي تدبيرنا لشؤون الدولة ، وحتى في تقييمنا لذواتنا ، فلا نحن ندري بأي مقياس نحكم ، أبمقياس ما قبل إسلامي ، أم بمقياس إسلامي ، أم بآخر حداثي ، ولعل هذا الأخير يكاد يكون منعدم الحظ في مسطرة مصادر حكمنا على الواقع . إننا ببساطة ، برغم اختلاف طبقات مجتمعنا، نعيش نوعا من الانفصام ، فأبداننا هنا ، وعقولنا تتحرك بمقاييس ومنطق امرئ القيس ، وتحصر نفسها بشكل صارم ، ضمن خارطة رسمها فقه كان وليد عصره ، وملابسات واقعه .. ولئن كان هذا الوضع سلبيا من جهة ، فإن الموضوعية تقتضي أن نشير إلى أن له جوانب إيجابية من جهة أخرى . فمن الجهة الأولى انعكس هذا الوضع سلبيا على طريقة عيشنا ، فصرنا لا نولي اهتماما كبيرا لتطور العالم من حولنا ، ولا نعتبر المساس بالدولة أو بمقدراتها ، مساسا بصميم المجتمع ، ومتعلقا بمصيره ، كما أورثنا ذلك لا مبالاة مزمنة بما نعيشه من تخلف ، فهو بالنسبة لوعينا تقدم كبير ، لا يكلف أصحابه عناء مقارنة وضعهم بأوضاع الآخرين ، لأنهم يسكنون أبراجا عاجية تخيل إليهم أنهم شعب الله المختار الذي لا يضره إن نقصه بعض من فتات الدنيا ، ومتاعها الزائل . أما من الجهة الثانية فإن هذا الوضع أثمر ترسخا جذريا للقيم الفاضلة في غالبية المجتمع (الكرم _ الإباء _ الإحسان _ الضيافة _ الأنفة _ التمسك بالدين_ عدم التعلق بالمنافع الدنيوية _ رفض الذل _ التسامح _ الطيبة _ سرعة نسيان الإساءة (الحلم ) …إلخ . العناصر التي ذكرنا أخيرا عناصر إيجابية ، لكن ينبغي تكييفها مع الواقع ، وأن لا تخرج عن إطارها فتتحول إيجابيتها إلى سلبية ، وذلك يستدعي تغيير وعي المجتمع ، الذي لا يتم بين عشية وضحاها . كما أن العناصر السلبية إن استمرت ، وذلك بطبيعة الحال مرهون بمدى استمرار وعي المجتمع الذي نتحدث عنه ، فإنها ستؤدي إلى وضع أسوأ وأكثر قتامة . يستطيع مجتمع أن يفعل (بتضعيف العين وكسرها) قيما نبيلة موروثة ويتمسك بمثل تنتمي إلى سلفه ، لكن ليعيش في عصره عليه أن يوائم بينها وبين الواقع . إن المادية التي تحرك أيادي الفعل في العالم تحتم علينا إعادة النظر في نمط التعامل مع مجريات الواقع .