كيف تنهار الأنظمة السياسية ؟ ( النظام الموريتاني نموذجا )
3 نوفمبر، 2017
الحسين ولد حمود
كتب المؤرخون الذين درسوا أسباب سقوط الإمبراطورية العثمانية عن مسببات ذلك الإنهيار ثلاث كلمات ترددت كثيرا فيما بعد ” الفساد والرشوة والمحسوبية ” ، ففي بيان الضباط الأحرار الذي تلاه البكباشي محمد أنور السادات في 23 يوليو 1952 برر إزاحة الملك فاروق بانتشار ” الفساد و الرشوة و المحسوبية ” و في معرض حديثه عن أسباب الإنقلاب على أول رئيس مدني تحدث الجنرال محمد ولد عبد العزيز عن ” انتشار الفساد و الرشوة و المحسوبية ”
و في الحقيقة إن الأمثلة الثلاثة مختلفة من حيث الطبيعة ، فمن النظام الذي يأخذ طابع الإمبراطورية إلى النظام الملكي المحدود في حيز جغرافي يقتصر عليه دون إدعاء الوصاية السياسية العامة إلى النظام المدني بصبغته الحديثة تقفز هذه الحجج الثلاثة لكل الطامحين إلى الإطاحة بهذا النظام أو ذاك ، لكن الثابت الوحيد في هذه المسألة هو أن بروز هذه العوامل من أهم أسباب سقوط الأنظمة و أن أي مدعى للإصلاح عن طريق تغيير نظام الحكم لا يمكن أن يقدم هذه العوامل كحجج إلا إذا كانت قد أصبحت بادية للعيان ، فإذا لم تجد هذه العوامل ” فاعل إنقلاب ” يستغلها، تكفلت بها الثوراة الشعبية (نظام الشاه محمد رضى بهلوي نموذجا ) نتيجة لإزدياد السخط الشعبي .
في حالة نظام موريتانيا و دون الغوص في تفاصيل تحتاج كل واحدة منها إلى مقال بحاله يجدر بنا تذكير القارئ بأبرز عوامل المرحلة : إفلاس الشركات العمومية و حلها ( انير ، سونيمكس ) ، تدوهر الوضعية المالية لأبرز متركزات الدولة الإقتصادية ( شركة أسنيم) ، قرع أجراس الخطر من قبل المنظمات الدولية ( تقرير شيربا، تقرير البنك الدولي) ، عدم إنعكاس التمويلات الدولية على المشاريع و على الوضعية الإقتصادية للبلد ( إزدياد البطالة ، تضاعف الدين العام ، إنخفاض قيمة العملة الوطنية ) ، فضائح الفساد المالي ( ممتلكات الرئيس و أركان نظامه ، صفقات التراضي)
فقدان المصداقية
” المصداقية شرط أساسي لإدارة الحكم، وصنع القرارات، وبناء علاقة إيجابية بين الحاكم وشعبه، وعندما تنهار مصداقية الحاكم فإنه يفقد أهم المؤهلات لاستمرارية حكمه.. عندما يضبط الشعب حاكمه متلبساً بالكذب، فإنه يفقد الثقة في عدالة الحاكم وأمانته وقدرته على إدارة شؤون البلاد.
الحاكم الذي يكذب يرتكب جريمة في حق شعبه فهو يضلل هذا الشعب، ويزيف وعيه، ويدفعه إلى تأييد قرار قد يشكل في حد ذاته جريمة.
والكذب يتعارض مع العدالة فمن يكذب لا يمكن أن يكون شاهد عدل، ولا يمكن أن يكون حاكماً عادلاً فهو يكذب لأنه يريد أن يحقق هدفاً يتناقض مع العدالة، ولا يمكن أن يتحقق إذا كشف الحاكم الحقيقة ” /أ. د. سليمان صالح
و لعل فيما كتبه الدكتور سليمان صالح في صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 20/يوليو/2007 كنبوئة مبكرة عن إمكانية زوال بعض الأنظمة العربية ثلاث سنوات قبل أحداث الربيع العربي ما يغنينا عن الإستفاضة في شرح العامل الثاني الذي هو من أهم مسببات إنهيار أو سقوط الأنظمة السياسية
في حالة النظام الموريتاني و دون الغوص في التفاصيل نستعرض للقارئ أهم مؤشرات إنهيار مصداقية نظام محمد ولد عبد العزيز : عزوف الغالبية من الشعب عن التصويت في الإستفتاء الأخير ، ظهور تصدعات في أغلبيته الحاكمة نتيجة لفقدان الثقة في الوعود السياسية ، ازدياد التمرد الشبابي المتنامي و ظهور حركات شبابية معارضة بشكل متزايد نتيجة لإنعدام الثقة في وعود و سياسة النظام الإنمائية و المتعلقة منها بمستقبل الشباب ، فضائح الكذب المتلاحقة ( رصاصة أطويلة ، مشاريع وهمية كمصنع الطائرات و مدينة رباط البحر و مصنع الألبان … الخ ) تمرد الدولة العميقة المتمثلة في شيوخ القبائل و الكنتونات الجهوية ( يعتبر ما حصل في الإستفتاء الأخير من حيث عدم وفاء هذه الجهات أو بعضها بوعودها للنظام خير دليل على فقدانها للثقة في النظام الحاكم )
تعالوا نحسبها !
في ظل اجتماع هذه العوامل كلها في المجال السياسي في أي دولة يمكننا القول من باب التحليل السياسي و الإجتماعي أن النظام الحاكم: في تلك الدولة آيل للسقوط ، و إذا أخذنا نظام محمد ولد عبد العزيز كنموذج يمكننا أن نستنتج أنه سائر في نفس الطريق التي سلكتها أنظمة كثيرة من قبله ، يبقى فقط أن نعرف كيف سيكون شكل التغيير ، هل هو عن طريق بيان رقم واحد أو على شاكلة الربيع العربي ؟ ، يبقى أيضا أن نعرف مدى براغماتية و تقبل النظام للتراجع عن أخطائه و تصحيحها و إن كان لايزال يملك الحيز الزمني المطلوب لفعل ذلك ؟
و نحن و إن كنا لا نملك الإجابة اليقينية على التساؤل الأول من حيث طبيعة التغيير ( نظرا لأن الطريقتين تأتيان دائما اعتمادا على عنصر المفاجئة) فإننا و بالتأكيد نعرف أن الإجابة على التساؤل الثاني هي :لا
لأن ال ” نعم” في هذا الإطار مرتبطة أساسا بالإرادة و هي التي يتضح لنا أن الغرور المطلق و الثقة العمياء و الإصرار يحجبانها عن ناظري النظام الموريتاني في المرحلة الحالية
حسين حمود / باريس 03/11/2017