في عاصمة تتمدد نحو كافة الاتجاهات لم تعد الجريمة بشكل عام، والدعارة أو الرذيلة تقتصر على الرصيف الذي يقتنص فيه “زبناء” من أصحاب السيارات الراغبين في قضاء نزوات عابرة في وقت محدود، وفي اماكن شبه خالية بهوامش المدن وبعض مواقف السيارات، أوحتى في شقق مفروشة.
تم اتهامنا بالبلاغ الكاذب خلال تتبعنا لهذه الظاهرة، والاستعانة بمصدر غير موثوق، لكن الشرطة الوطنية ما لبثت أن لجئت لذات المصدر تحت ضغط الرأي العام، الذي يطالب بسرعة توقيف المجرمين، واللذين قد يكونون في بعض الاحايين مجرد كبش فداء.
خلال الاستقصاء سجلنا أدوارا مشهودة لرجال شرطة مهنيين، وأدوارا خبيثة لثلة فاسدة من العناصر الأنذال.
أحاطني “مصدر” أنه شاهد رجل أمن “من باسطي الحماية” يطلب شربة ماء في “مغرج” لإطفاء ظمأ مبرد سيارته “رادياتير” من أحد المنازل التي تستخدم للرذيلة في حي سيتي بلاج، لكنه في الحقيقة كان يأخذ نصيبه “فرسماه” الليلة البارحة من الليالي الحمراء.
حالة من بين روايات متواترة لدى سكان الحي تفيد بأن لتجارة الجنس بارونات يحمونها، ولهم صلات بعناصر فاسدين من كافة الأجهزة في أروقة العدل والأمن وغيرها، تسعة رهط، وهم ثلة تعد على الأصابع يسيئون لسمعة أجهزتهم الأمنية والإدارية، لأنهم اختاروا تدفئة جيوبهم على شرف المهنة.
بعد كتابة “قرصة أذن” أي تقرير عن هذه الوقائع، وبدل البحث عن الأفراد الفاسدين، تم توجيه شكاية من الصحفي كاتب التقرير، لأنه تجرأ و تطاول على صرح وهيبة الأمن، واعتمد على مصدر غير جدير بالثقة.
وساق هؤلاء في معرض تبريراتهم بأنهم ليسوا حماة الفضيلة والأخلاق والقيم لوحدهم، وإنما هي مسؤولية مجتمع كامل، بوعاظه وائمته وخطبائه ومنظماته وأحزابه، ومسؤولية القضاء أولا وأخيرا.
وكان تبريرنا يقول بأن المشكلة يجب أن لا تكون في المصدر وإنما في صحة المعلومات، وأن انتشار الرذيلة خطر على صحة المجتمع، عوضا عن الفضيلة التي لم نقدم انفسنا كحراس لها.
واليوم يستعين رجال الأمن الأشاوس بذات المصادر وبنفس الرجل الذي سبق وأن تم وصفه بأنه غير جدير بالثقة،وذلك لاقتحام مخابئ المخنثين، فكيف تحلل الشرطة لنفسها وتحرم علينا؟
وكأنها لم تسمع بانتشار المخنثين كالطحالب، حتى ضربوا الدفوف وملئوا الرفوف، وعلت اصواتهم في أرجاء قاعة الحفلات وهم يمشون الهوينا.
حيث جعل الزفاف الأسطوري الأول من نوعه سكان نواكشوط في حيرة يتساءلون “من هو العريس ومن هي العروس؟.
تعود فصول نازلتنا مع الشرطة عندما تم استدعائنا من قبل وكيل الجمهورية في المحكمة الغربية وهدد بسجننا بسبب تقرير تحدث خلاله شخص يدعى ماقا مالك صال وهو جندي سابق في سلاح القبعات الحمراء بالجيش الموريتاني، وكشف بكل جرأة عن اوكار تجارة الجنس في مناطق المدائن، وغيرها من ضواحي نواكشوط و عن ارتباط عناصر فاسدين مع المومسات، والدور الخبيث للمخنثين في تلك العملية القذرة.
يوفروا الحماية لهن مقابل إتاوات تفرض على كل مومس، خاصة الأجنبيات اللواتي يتم ابتزازهن بشكل دائم.
المضحك في القضية أن كاتب الضبط الذي كان يسجل أقوالنا في مكتب الوكيل، قال لي بالحرف “أنت خبطت فبت ما كط خبط فيه حد سابكك” بمعنى أن قضايا شبكات المخدرات والبغاء الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، وأشهد الشرطي الذي جلبني بالقول:”.. اتذكر يا فلان بأن القاضي الذي جاء إلى المحكمة، وفي في ذهنه ما كان يدرسه من القانون لتطبيقه على اوكار البغاء، اتذكر أنه تم تحويله بعد فترة وجيزة لمقاطعة نائية بسبب دعوى ضد المومسات”، فعلمت بأنها رسالة لصحفي هدده القاصي بان يحاكمه طبقا لقانون الجريمة السبرانية، ولأن القانون كشبكة العنكبوت، يمسك الحشرات الصغيرة، وتخترقه الدبابير كما يقول برتراند راسل.
هكذا سعت هذه الاجهزة لان يتكسر قلمنا عند أول تقرير عن شبكة الدعارة.
وتذكرت كذلك قصة الشرطي الذي تخرج وهو يحمل المعاني والمهمات النبيلة التي استقاها من مدرسة الشرطة، فصدمته سيدة برجوازية طلب منها التوقف لتسجيل مخالفة، حيث قالت له بأن عشر أواق من الرصيد في هاتفها كفيلة بتحويله لأبعد نقطة في البلاد.
هكذا اقتحمنا منذ سنة “قلاع” البغاء في العاصمة، عبر سلسلة تقارير تتحدث عن “تجارة الجنس” التي عششت وباضت وفرخت في أحياء المدائن وغيرها، حتى باتت نارا على علم، أو رايات حمراء ، وفاحت رائحتها حتى ازكمت الأنوف، وأرقت السكان، يستدل على مخابئهن طالبوا المتعة الحرام دون كبير عناء.
سجلنا جهودا مشهودة لقيادات في الشرطة من أمثال المفتش الحسن ولد صنب، وآخرين يضيق المقام عن ذكرهم في تشتيت شمل المومسات والمخنثين ومن على شاكلتهم.
خلصنا بأنها شبكات خطيرة تشبه مافيا الأفيون والهيروين لأن الرذيلة في العالم سوق كبير وتجارة واسعة كتجارة “الكيف”.
هكذا اثار الحديث عن العناصر الفاسدين حفيظة جهات أمنية عليا، عتبت علينا بالاستئناس بشهادة المدعو ماقا صال ووصفته بأنه ليس مصدرا موثوقا ويروج معلومات مغلوطة.
الحقيقة أن القضية اعتبرناها “بطة الصيد” لما لنا من علاقات وطيدة بالجهاز الأمني الذي نعتبره ركيزة أساسية وهامة ونحاول أن نتعامل معه بندية كسلطة إعلامية وليس كمخبرين، ولم نرغب في الانتصار لأنفسنا في مواجهة جهاز الأمن.
اليوم يقوم المفوض ولد النجيب المشهود له بأدوار كبيرة في مكافحة المخدرات، بالاستعانة بالسيد ماقا صال أو تستعين به الشرطة في مداهمة وكشف مخابئ المخنثين، بعد أن أصبحت النازلة قضية رأي عام تضررت مشاعره من انتشار حفل زفاف خرافي للمثليين، قالت الشرطة لاحقا بأنه كان مجرد مشهد تمثيلي.
الأكيد أن الشرطة لا تنقصها المعلومات ولا ينقصها المخبرون، ولكنها قد تحتاج لأن تصبح قضية الدعارة قضية رأي عام، أو قد تحتاج ل”إرادة سياسية” تتعهد بذلك.
وتنتشر لضبط الشواذ جنسيا، وتقديمهم للمحاكمة، وتزج بهم في غياهب السجون، بدل الوشاية بصحفي، وكسر قلمه خمسة سنوات قادمة، إن هو نطق ببنت شفا عن الموضوع الذي يعد من المحظورات.
هكذا تحلل الشرطة لنفسها وتحرم علينا، فعندما تريد الشرطة أن تستعين بالمخبرين تلجئ لهم من كل الأشكال والأحجام، من أصحاب السوابق، واصحاب العاهات المستديمة، والمتسولين وأصحاب ربطات العنق والبذات الأنيقة والصحفيين وغيرهم من اللذين ينتشرون في كل زقاق على رأي أحمد مطر.