رأي

تعليقا على مقال الشيخ محمد الأمين الشاه..المذهب المالكي مذهب فقهي أو مكذب فقهي

تعليقا على مقال الشيخ محمد الامين الشاه
(المذهب المالكي مذهب فقهي ..او مكذب فقهي . ..).
مسالة الحائض والجنب :
الى جانب الشدة – غير المبررة- التي وردت في مقال الشيخ ؛ كان هناك بعض المسائل غير الدقيقة ..!
منها مثلا قوله :
(يرى أصحابنا منع الحائض والجنب من الدخول على الميت وتغسيله، وعليه درج خليل بقوله “وتجنب حائض وجنب له: ونقله الحطاب عن ابن وهب.
وهو كلام ظاهر السقوط، فالنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول لعائشة في حديث الخمرة الثابت في الصحيح: “إن حيضتك ليست في يديك”) .
التعليق:
يفهم من كلامه ان المالكية يرون كراهة تغسيل الحائض للميت وليس الامر كذلك ؛ بل ان كراهة تغسيل الميت مكروهة عندهم بالنسبة للجنب دون الحائض ..
ولهذا قال في المختصر عطفا على المكروهات في الجنازة :(وتغسيل جنب)، ولم يذكر معه الحائض .
والمنقول عن الأمام مالك كراهة تغسيل الجنب للميت ، وإباحة ذلك للحائض..
قال ابن رشد :
[مسألة: قال مالك: لا أُحب للجنب أن يُغسل الميت حتى يغتسل؛ لأن أمرَه يسير، ولا بأس بالحائض أن تُغَسِّلَ الميت] اهـ. من “البيان والتحصيل” (2/ 209).
وأما قول الشيخ خايل :
(وتجنب حائض وجنب له)
فقد ورد في سياق الحديث عن المحتضر لا عن تغسيل الميت !
****
والعلة التي دعت الى تجنيب الحائض والجنب للمحتضر نص عليها شراح المختصر :
قال الزرقاني في “شرح مختصر خليل” : [(و) نُدِبَ (تجنُّب)؛ أي: بُعْد (حائض وجنب له) عن البيت الذي هو فيه -المازري-؛ لأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جُنُبٌ أو حائضٌ اهـ.
وقال الدردير في “الشرح الكبير” : [(و) ندب (تجنب حائض) ونفساء (وجنب له): لأجل الملائكة] اهـ.
وهذه العلة لم يخترعها المالكية.. بل ورد في الحديث أن الملائكة لا تقرب الجنب، وجاء ذكر الحائض في بعض الروايات:
١- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(ثلاثةٌ لا تقربُهم الملائكةُ : الجنُبُ ، و السَّكرانُ ، و المتَضَمِّخُ بالخَلوقِ).
أخرجه البخاري في ((التاريخ الكبير)) ، والطبراني ، والبزار . وصححه الالباني .
٢- عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَحْضُرُ جِنَازَةَ الْكَافِرِ بِخَيْرٍ، وَلَا الْمُتَضَمِّخَ بِالزَّعْفَرَانِ، وَلَا الْجُنُبَ»، رواه ابو داود والترمذي وصححه.
وأخرجه أيضا أحمد و عبد الرزاق وابن أبي شيبة، و الطيالسي والبزار وأبو يعلى.
وفي واية عند البزار عن بريدة مرفوعًا: «وَالْحَائِضُ، أَوِ الْجُنُبُ».
ورواية الطبراني في الأوسط: 《والحائض والجنب》من غير شك.
٣- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْبٌ وَلا جُنُبٌ» رواه أَبُو دَاوُد الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى في “مسانيدهم”، والدارميُّ وأبو داود والنسائي وابن ماجه في “سننهم”، وابن حبَّان في “الصحيح”، والحاكم في “المُستدرك”، والبيهقي في “السنن الكبرى”.
٤- عن ميمونة بنت سعد رضي الله عنها مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنُبُ؟ قال: «مَا أُحِبُّ أَنْ يَرْقُدَ وَهُوَ جُنُبٌ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَوَفَّى فَلَا يَحْضُرهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ» رواه الطبراني في “المعجم الكبير”. قال الحافظ السيوطي في “تنوير الحوالك” (1/ 53): إسناده لا بأس به.
وتمسكا بظاهر هذه الأحاديث كان بعض أهل الحديث يتحرجون من الافتاء بجواز تغسيل الحائض الميت ..ومن أمثلة ذلك القصة المشهورة عن أبي ثور :
قال ابن الجوزي : (روى أبو محمد الرامَهُرْمُزِي بِإِسْنَادٍ له: أَن امْرَأَةً وقفت على مجلسٍ فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى، وكانت غاسلة، فلم يجبها أحد منهم، وجعل ينظر بعضهم إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليك بهذا المقبل، فالتفتت إليه فسألته، فقال: نعم، تغسل الميت لحديث عائشة رضي الله عنها، فإذا فعلت هذا برأس الحي فرأس الميت أولى فقالوا: نعم، رواه فلان، وحدثنا فلان. فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟) “كشف المشكل”. (4/ 288).
*****
والقول بكراهة حضور الحائض للمحتضر لم يتفرد به المالكية بل قال به جماعة من أهل العلم ..
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي :
(وكره علقمة والنخعي والثوري وأحمد أن يحضر الجنب والحائض عند الميت عند خروج روحه؛ لما روي مِن امتناع الملائكة مِن دخول البيت الذِي فيهِ الجنب). “فتح الباري” (2/ 16).
و نص عليه أيضا الشافعية فقالوا : (ويكره للحائض أن تحضر المحتضر وهو بالنزع؛ لِمَا وردَ أنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلبٌ ولا صورةٌ ولا جنبٌ)”مغني المحتاج” (2/ 6) للعلامة الخطيب الشربيني الشافعي.
ومن الشافعية من قال بالتحريم !!
قال العلَّامة الدَّميري الشافعي :
(وفي “الرونق” و”اللباب”: يحرم عليها -أي الحائض- حضور المحتضر، فإن كان لأجل حضور الملائكة ليكن الجنب كذلك؛ لما تقدم أنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جنب )اهـ من “النجم الوهَّاج” (1/ 493).
*****
واستدلال الشيخ بحديث : “ان حيضتك ليست في يدك” استدلال في غير محله !
لان العلة في كراهة حضور الحائض للمحتضر هي ان الملائكة لا تدخل عليها ؛ لا لأن الحائض ليست طاهرة البدن .
فاجتناب الحائض لايعني بالضرورة ان تكون نجسة البدن..
وقد أمرت الحائض باجتناب المسجد كما في حديث أم عطية الانصارية رضي الله عنها قالت : ( وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ ).
فهل يصح ان نعترض على هذا الحديث بحديث “ان حيضتك ليست في يدك ” ؟!!
ان هذا الحديث متفق على معناه ؛ فطهارة بدن الحائض مسألة مجمع عليها ؛ قال الحافظ ابن رجب :
(وفي الجملة: فبدنُ الحائض طاهرٌ وعرقُها وسؤرُها؛ كالجنب، وحكى الإجماعَ على ذَلِكَ غيرُ واحدٍ مِن العلماء) “فتح الباري” (2/ 16).
ليست طهارة بدن الحائض هي محل النزاع في هذه المسألة ..
إنما محل النزاع هو : هل صح الحديث ؟
وإن صح .. فهل المقصود به كل جنب وحائض..ام المقصود به الجنب والحائض المفرطان في الغسل ؟
نرجو من الشيخ ان يتوخى الدقة في انتقاده للمذهب المالكي؛ وفي عزو الاقوال له .
كتبه :
محمد الامين ولد آقه.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى