المستعرضكتابنا

ولد الحكومة..وابن الشعب/ المامي ولد جدو

اليوم… اتصلت بعامل تفريغ خزان صرف صحي، ولم استغرق سوى دقائق حتى كان في الشارع المقابل، فأخذت انطباعا بأن هذا العامل الخمسيني يحترم مهنته، وعندما سألني عن مشكلة “الحمام” قلت له بأنه طافح، فأجاب بأنه يجب أن يجري “فحصا” كما قال لانبوب الصرف الصحي في الخزان المنزلي، وخلع ثيابه بدون تردد ، ولم تصبه القشعريرة، ونزل  بكل اريحية بعد أن اتفقنا على السعر.

اعتقد -أن هذا الرجل شريف الكسب- اصيب بالدوار بعد خروجه من فوهة الخزان، فقد اشعل سيجارة وسألته عن الوضع حاليا.

وطفق يتحدث عن توصله لسبب انسداد المجاري، كأنه يجري عملية قلب مفتوح، لكنني قاطعته حتى لا يسترسل في الحديث عن اكتشافاته تحت المنزل، وسألته عن  وضعه مع “الإجراءات الاحترازية” ففاجئني بأنه يخرق حظر التجوال في الكثير من الأحيان بحثا عن قوت يومه، فسألته  ألا تخشى من العدوى، أو أن تبيت في مخفر للشرطة أو ثكنة للحرس؟

فأجاب متسائلا.. هل ترى أن هناك وضعا اكثر خطورة من عملي هذا؟ فخرست ولم استطع الإجابة التي تولاها هو وقال لي يا استاذ.. أنا بصحة جيدة واستطرد بكل ثقة  ” الصنادر املي عاد يعرفوني”.

لملم هذا الرجل معداته البسيطة وطلب قطعة صابون واستحم واشعل سيجارة ثانية ينتظر أجره وضميره مرتاح…

لقد كدت اقبل جبين هذا الصعلوك مثل ما قبل الشيخ الددو يد الفخامة ولد الحكومة، الذي خرج يوم العيد في موكب ضخم نحو حاضرته، تحت ذريعة استثناء قانوني يسمح بتراخيص مرور تقدرها السلطة التنفيذية طبقا لحالة الطوارئ الصحية، والتي للأمانة عادة ما تمنح تصاريح لمواطنين ليسوا بتلك “الأبهة” يتنقلون بين الولايات.

لكن هذه السلطة التقديرية التي منحها القانون–فيما يبدو والله أعلم- فُصلت على مقاس الدبابير الكبيرة كما يقول الفيلسوف برتراند راسل بأن القانون مثل شبكة العنكبوت يمسك بالحشرات الصغيرة وتخترقه الدبابير.

إلا أن حضور الدولة بصرامتها أو حتى بعنفها أمر ضرروي لفرض احترام السلامة العامة عندنا، وهو ما جعل القوة العمومية تعيد أشخاصا متسللين من حيث أتوا، بعد أن دخلوا خلسة بسبب حسابات خاطئة لهؤلاء المواطنين، جعلتهم يعتقدون بأن رغد العيش ينتظرهم و أنه سترافقهم مراسم عسكرية لفندق خمسة نجوم، أو منتجع سياحي، وفي أسوء الأحول نحو مرفق عمومي ليقضوا فيه فترة سبات الفيروس، لكن أحلام اليقظة تحولت إلى كوابيس. فقد اعيدوا للشريط الحدودي ، وهو إجراء قد يفهم للضرورة بعدم التعويل على حسهم الوطني في عدم نشرهم للوباء بين فئات الشعب، ولأنهم عديمي الحس بالمسؤولية تجاه خطورة هذه الجائحة تم الرمي بهم خارج الحدود.

فنحن شعب لديه حس الإجرام، ولا يمكن التعويل على احترامنا للقانون دون إنزال القوة العمومية للشارع. فلسنا كالدول الاسكندنافية التي لم توقف الدراسة ولم تغلق الأسواق، وتعول على تربيت شعوبها في احترام القانون.

فالمؤسسة الوحيدة التي افلست في السويد هي مؤسسة السجون، وذلك بسبب انضباط سكانها، حيث اغلقت غالبية السجون، بينما افلست عدة مؤسسات خدمية في موريتانيا، و تعهد الرئيس السابق في برنامجه الانتخابي بمحاربة الفاسدين و ببناء العديد من السجون، وتوسعة الموجود منها لاحتضان المفسدين والخارجين على القانون، وبعد تنحيه عن السلطة تبين بأنه لم يسدد فواتير كهرباء منزله.

يمكننا ان نفهم كل هذا ونتقبله بصدر رحب فيما يتعلق بسلوك المواطن البسيط،  و لكن اللقمة التي تقف في الحلق، و السؤال الذي يشل التفكير، هو كيف يُرمى المواطنون خارج الحدود وليس بحوزتهم سوى “بيدون” عشرة لترات من الماء، وتمنح تصاريح التنقل للمواكب في موسم  الهجرة إلى البلد الأمين؟.

في انتظار توضيح هذا الأمر، يبقى المؤكد  أن الحكومة ضحت بالموارد الاقتصادية والمالية من أجل صحة المواطن، وقررت عدم رفع الحظر، فعلى المواطن أن يضحي بجزء من رفاهيته وحريته حتى يرفع عنه الوباء.

المامي ولد جدو

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى