بعد أن افتضح اجتماع “گزرة” ولد الرايس/ المامي ولد جدو
14 أكتوبر، 2019
المامي ولد جدو
الغريب في هذه البلاد أن من يفردون صدورهم عارية للدفاع عن دولة القانون والمؤسسات، هم من يعقدون الاجتماعات لتقويض تلك المؤسسات، وحل الأحزاب، وتغيير الدساتير.
وبدأت بوادر الصراع بين الأحزاب السياسية، والتماسيح السياسية ممثلة في جماعات الضغط التي تعيد تدوير نفسها مع كل نظام جديد بخلق شبكة من العلاقات مع الحكوميين والإعلاميين والأكاديميين والفقهاء والقضاة والقانونيين والباحثين والفنانيين.
وتحاول التأثير على صناعة القرار، وخلق حالة من عدم الثقة في المؤسسات السياسية القائمة على علاتها، حتى ينحصر دور السلطات في إضفاء الصفة الرسمية على تلك السياسات والقرارات لتأسيس أرضية للدفاع عن المنافع الفردية.
يمارسون السباحة عكس التيار في وقت تُشرع فيه أبواب القصر الرئاسي للمعارضة، بل و لأشد السياسيين راديكالية، سعيا لخلق مناخ سياسي هادئ، والتفرغ للتنمية وتنفيذ السياسات العامة للحكومة، في حين ينشط آخرون في إشعال عود ثقاب في أكبر المؤسسات الحزبية تمثيلا في البرلمان والمجالس الجهوية والبلدية.
الثابت أنه من حق أي سياسي التعبير عن مواقفه وهواجسه، وتصوره المغاير للحياة السياسية الطبيعية والهادئة، بعيدا عن الكائنات التي تعيش وتترعرع في البيئة الغير ديمقراطية.
و ما غاب عن أذهان التماسيح السياسية تلك و –التي بدأت تذرف دموعها على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد- أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لم يأتي على ظهر دبابة، وإنما جاء عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي ليس مضطرا للانصياع لجماعات الضغط وأن أولويته هي التنمية وتنفيذ تعهداته للشعب الموريتاني.
و بعد أن أصبحت جماعة عشوائية فضيلة القاضي حديث الجميع وباتت كما يقول المثل الشعبي “بول بقرة” ينتشر على كافة الاتجاهات بادر الجميع للتبرؤ من الاجتماع ومن مخرجاته التي تصاعدت كخيط دخان.
و اضطر بعضهم إلى سحب توقيعه، وتبرير حضوره، نافيا في أحسن الأحوال مطالبته بإعدام الحزب ، بينما قررت الغالبية “بشكل ديمقراطي” أن تلوذ بالصمت.
هكذا وبمجرد ما خرج النقاش للعلن انهارت الأرضية، وبدأ الجميع يتباكى على الحزب ، ويعلن التشبث به، مع بعض الفواصل الموسيقية المشروخة من قبيل ضرورة إعادة هيكلته –تحصيل حاصل- ومرجعيته وشخوصه.
وأن «أعواد الثقاب» تم إخماد شرارتها بفضل حكمة وديمقراطية “جماعة الكزرة” وإصرارها على الاتحاد، بعد أن اهتدوا إلى فكرة نيرة مفادها تأسيس ذراع سياسي جديد يتم تسخيره لخدمة مصالحهم وليس مصلحة الرئيس.
بقع الضوء التي تم تسليطها على الاجتماع العشوائي -والذي يتناقض منظموه في خرجاتهم- كشفت الزوائد والتباينات باعترافهم هم انفسهم، ما جعله يموت قبل أن يولد.
والغريب أن مسعى منظمي الاجتماع -الذي تم في منزل خبير دستوري تحت عنوان لم شمل داعمي رئيس الجمهورية في عباءة سياسية واحدة- من شأنه إضعاف اكبر مؤسسة سياسية داعمة للرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد ولد الشيخ الغزواني، و -الأكثر تمثيلا انتخابيا في البلاد- ضم حزبيين ومستقلين ومشرعين ومخضرمين من أمثال صاحب مقولة الانضباط الحزبي.
ما أوريد تأكيده -هنا- أنني لست بصدد الدفاع عن حزب الحصان، وأرفض أن يكون بالوعة تعمل على شفط موارد الدولة، وأن يتخد من رئيس الجمهورية مرشدا أعلى وايقونة نضالية وفكرية، عبر توجيهاته السامية، ومبادراته القيمة، وقراراته التاريخية التي يتبرء منها الجميع بعد خروجه من السلطة، ويطالبون بإزالة صوره من قاعات الحزب، رغم أنه كان يسيرهم عبر الريموت كونترول.