
رؤيا بوست: عبرت أم النصري مامين ممثلة موريتانيا في برنامج تحدي القراءة العربي، عن تطلعها للوصول لأبعد المراتب في نسخة 2019 لتمثيل بلادها أحسن تمثيل، ومنح الفتاة الموريتانية قدوة في مجال الثقافة والمطالعة.
وكشفت عن إحساسها بالظلم بعد قرار لجنة تحكيم المسابقة بدخولها في مرحلة الخطر.
وأكدت بأن تشجيع الجمهور لها في البرنامج -الذي يبث على شبكة MBC – يشكل مصدر اعتزاز لها، ويقوي من عزيمتها لنيل اللقب، وتحدثت لنا عن بداياتها في المطالعة، وكيف اكتسبت هذا التعلق بالكتاب، وعن نظرتها للمحتوى، حيث تقول بأنها تضحك أحيانا من أسلوب بعض الكتب، وتكاد تبكي عند انتهائها من قراءة كتب أخرى.
وقد اجرت رؤيا بوست مع ممثلة موريتانيا في برنامج تحدي القراءة العربي 2019 -المنضوي تحت مبادرة حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم العالمية- حوارا تناول شغفها بالقراءة، وافضل الكتب، ومشوار وصولها للمشاركة في البرنامج الواسع الانتشار، وطرق مواجهتها لهذا التحدي المعرفي .
نص الحوار:
رؤيا بوست: من هي أم النصري مامين؟
أم النصري: أنا فتاة من منكب برزخي قصي يرتمي في أحضان قارة سمراء انعكست سمرتها على لون بشرتي و انغمس في وحلها عقول جل من يقطنوها…
أنا من تؤمن أن الكتاب هو ماحي التخلف و التقاعس الذي نعيشه، و أن الأنا التي تتملك مجتمعنا القبلي إذا اندمجت في نحن سنكون من المجتمعات التي يشار لها بالبنان.
أنا من توقن أننا اذا انقذنا كتبنا من ألم التناسي و هيمنة الجهل و فعّلنا جرس الثقافة لنشاهد ما نصبو إليه من تقدم، سنرتقي و نزدهر.
أنا يا سيدي هي من تؤمن بالإنسان و تسعى في بناءه متغاضية عن لونه و دينه و شكله، لأن الخطاب القرآني الكتاب الذي نؤمن به جاء بشمولية في دعوته للناس، لذلك من لا يدين بالإنسانية لا ترحب به الأديان أيا كانت.
رؤيا بوست: كيف رأيت قرار لجنة تحكيم المسابقة بدخولك في مرحلة الخطر؟
أم النصري: أحسست بالظلم و بأن اللجنة تحكم العاطفة أكثر من المنطق و العقل، فوثبة المحكمتين علي بالكلام و مقاطعتي أثناء ردي على سؤال مطروح على الجميع و كل المتسابقين ردوا عليه دليل على أن الأستاذتين الموقرتين شخصنوا الموضوع و استخدموا صلاحياتهم لنصرة ما تقدمن به!، أحترم ذلك و لكن هذا لا يعد من الإنصاف و العدل.
رؤيا بوست: كيف تعلمت القراءة؟ وكيف تصبرين عليها؟
أم النصري: تعلمي القراءة بدأ مع تدريسي من طرف جدتي للأوليات، من ثم غرس فيّ حب الاطلاع و الفضول لمعرفة اكثر من ما أتعلمه على يديها، فكنت آخذ كتب المنهاج لأخي و أحفظ ما تحوي من قصائد ليؤهلني ذلك لقراءة المقالات و غيرها في المجلات و الكتب، كما مكنني من الكتابة فغدوت أكتب ما أحسه و ما كان يطلب مني من إنشاءات مدرسية عن الرحلات في العطل و عن أحلامنا و أشياء من هذا القبيل…
بدايتي مكنتني من حب الكتاب و احترام الحرف ومن يمتهنونه، حيث انني كنت أوطن نفسي على إكمال كل كتاب بدأت في قراءته و التركيز عليه، و منعها من التشتت بين المواضيع الأخرى و العناوين التي تجذبنا احيانا و تغرينا بترك الكتاب الذي شرعنا في قراءته، بذلك نتشتت و يتسلل السأم إلى أفئدتنا و لم تعد عقولنا تجد اللذة في البحث عن المعلومة، لذلك أصبر على القراءة لإيماني التام بأنها هي السبيل الأول لكرم الله، فحين قال جل علاه: “إقرأ و ربك الأكرم” فهذا يعني أن كرمه يغدق به على كل قارئ مؤمن بأن للحرف قوة و تأثير لا مثيل لهما، و بأنه سيعمل بالخير الذي اطلع عليه فيما قرأ، لذلك هذا الإيمان قادني للقراءة و الاستمرارية فيها، لله الحمد و المنة.
رؤيا بوست: هل تعدين القراءة شغفا أم معرفة؟
أم النصري: الشغف هو: التعلق و الولع، و من المعروف أن التعلق بمسألة ما من المسائل و الولع بها يقودنا لممارستها و إذا و جدنا اللذة التي كنت متوقعة من المؤكد أننا سندمنها، ومع الزمن سندرك منافعها و أضرارها بذلك سنقرر نحن هل نستمر أم نقلع عن ذلك، لهذا أرى من وجهة نظر شخصية أن القارئ النوعي هو من أقبل على الكتب بشغف لأنها هي طريقة لإدراك أمور جمة تنفعه في حياته اليومية وفي آخرته أي أن الشغف سيقوده للمعرفة لأن “من ذاق عرف، ومن عرف اغترف”.
رؤيا بوست: من أين تبدئين وماذا تقرئين، وكيف تقرئين؟
أم النصري: أولا أنا لا أنتظر إشارة البدء لأبدأ لأنها قد لا تحين، و العمر قصير و نحن مساءلين عن أعمارنا فيما أفنيناها و قضيناها، و من يؤمن بملك الملوك يرى أن أول أمر له لم يكن الصلاة او الصوم أو أي ركن آخر من هذه الأركان، بل كانت “إقرأ” هي التي قضت مضاجع الرجال و جعلت هذه الأمة متطورة مزدهرة رائدة، لأن دينها هو الدين الذي يحاور بالمنطق و الأسلوب الاقناعي الذي يجعل العقل و القلب يطمئنان، لذلك من أدرك أن قرار البدء بيده، و أن هذه حياته و أنه ألزم طائره في عنقه سيقرر مالذي سيفعله و كيف سيقضيها.
أما عن ماذا أقرأ ؟، فأنا أقرأ في كل المجالات و المعارف كي أقطف من كل روض زهرة كما يقال، لأنني أؤمن بأن المعرفة منثورة بين دفف الكتب و أن من يريد أ تكون له ثقافة رصينة متنوعة تمكنه من فهم الكثير من الأشياء و تفتح له آفاقا يجب أن يكون قارئا منوعا لا منغلقا، فأنا قرأت في مجالات عدة و أحب أن أقرأ في كل المجالات و أن يكون ذلك في مكان هادئ لا صوت فيه او ازعاج، لكي أستفيد و أسبر أغوار مراد الكاتب و أنقد الكتاب.
رؤيا بوست: كيف نعد قارئا جيدا؟
أم النصري: القارئ الجيد لا سبيل لصناعته اذا لم يكن مسبقا يؤمن بأن العلم هو الحل لكل معضلات الأمم و بأن الأقلام و الورق لهم مكانة عند الله كبيرة، اذا كان هذا الإيمان عند القارئ سيصل للقب القارئ الجيد بل و النوعي و سيضيف لمجتمعه و أمته.
كما أنني أدعو القرّاء و أطلب من كل مثقف أن يقوم بنشر ثقافة القراءة بالطريقة التي يرى أنها تستهدف بنجاح غير القارئ، فمثلا أنا جعلت بعض صديقاتي يقرأن بحديثي جل الوقت عن الكتب و الكتاب كما انني في المجالس أستدل بقول أحد الكتاب او المؤثرين كي أغريهن بالتعرف على الكتاب و قراءته.
رؤيا بوست: كيف برأيك يمكننا أن نجسد ما نقرأ على حياتنا حتى لا نكون كما هم أحبار أهل الكتاب يقرؤون ولا يعملون؟
أم النصري: قلت في البداية أن رد الإعتبار للكتب يكون بالعودة للقراءة و الاهتمام بالمكتبات و الأماكن الثقافية المفيدة للفرد و المجتمع، كما أن ما نقرأ لا بد له من أن يجسد في أرض الواقع فالهذيان و سب الواقع لا يغيران شيئا، فنحتاج أيما حاجة إلى القيام بمبادرات توعية و ثقافية تمكن المواطن من الوعي بما يدور حوله، و تعريفه على ما له و ما عليه لكي نستطيع تطبيق ما قرأناه في الكتب، لأن المجتمع الجاهل المغيب لن يتقبل النهضة و الحضارة، و هنا سأنبه على أن التحضر و الرقي ليس الإعمار و التفنن في بناء البنايات الشاهقة او ناطحات السحاب فهذا ليس تحضرا أو مواكبة للعصر بقدر ما هو ظاهر منهما ولكن التحضر و الرقي و الريادة هي تكوين و بناء الإنسان و الإستثمار في وعيه و تطويره، و حين يرتقي فكر المجتمع و يعي أناسه ستبنى الدولة و تصل لعنان السماء، وهذا لا يتم الا بالعدل و المساواة و تطبيق القانون و احترام الأفراد و إعطاء مكانة للمثقفين و مساحة للموهوبين و من لهم افكار إبداعية.
رؤيا بوست: كيف تستغرقين في القراءة دون المبالاة بالوقت؟
أم النصري: الأوقات غير سواسية و الكتب متفاوتة، لهذا هناك أوقات مفتوحة ليس عندي فيها التزامات او مهام او واجب مدرسي. او في السفر آخذ فيها كتاب دسم او رواية عدد اوراقها كبير و ابدأ في القراءة و لا أبالي بالوقت حتى أنهي المؤلف أو يبقى منه القليل لليوم الموالي، هناك كتب لذيذة و بسيطة أنهيها بسرعة و لا أشعر بالوقت معها، وهناك كتب جزلة و مرادها لا تدركه الا بتأن و توأدة في قراءتها و كذا فك شفرات بعض كلماتها و معانيها، لكنها احيانا تكون مفيدة جدا و فيها الكثير من المعلومات. لهذا ما اقضيه من وقت في قراءة الكتب ليس متكافئا، كذلك ما تقضي من الوقت في القراءة ليس ضائعا بل تلك أجمل الأوقات.
رؤيا بوست: ما الذي يجذبك في الكتاب؟
أم النصري: أنا أختار كتبي بمهل و عناء و إن كنت أتوق لأن أقرأ في كل شيئ لكي أكون عارفة بثقافة قومي و ثقافات الآخرين، لكن في احيان كثيرة، أنجذب لكتب النهضة و تنمية الذات مع الروايات بمختلف أصنافها و اهتمامي أحيانا بالموضوع المعالج، كما أن اسم الكاتب يجذبني، فهناك كتّاب أصبحت متعلقة بهم أقرأ اي شيئ يكتبونه.
رؤيا بوست: ماهي افضل القصص والرويات التي تركت أثرا في نفسك؟
أم النصري: القصص و الروايات لهم مكانة مرموقة بين الكتب التي قرأتها و في هذا المجال لا أنسى كتابي حديث الصباح و حديث المساء للدكتور الفريد أدهم شرقاوي الذي يعتمد فيهما القصة و التعقيب عليها و استخراج فوائدها و التعليق عليها و على أحداثها، اما الرواية ففي أدب السجون لا أنسى رواية “إسمه أحمد” للدكتور أيمن العتوم و رواية “الشاعر” للأديب الأريب مصطفى لطفي المنفلوطي و لعل بطل هذه الرواية هو أقرب بطل لقلبي، كما لا أنسى رواية “الحزن يليق بعينيك” لكاتبتي الغالية راما أسامة شحاده التي تعالج فيها قضية سامية بطريقة رائعة نادرة!.
رؤيا بوست: كيف وصلت لبرنامج تحدي القراءة العربي؟
أم النصري: وصولي لتحدي القراءة العربي لم يكن مدبرا بحيث انني شاركت فيه بقرار مفاجئ مني لي!، أعلن عن تحدي القراءة العربي ٢٠١٥ تقت للمشاركة و تقدمت و لكن انسحبت ولَم اكمل و في العام الثاني لم أشارك في العام الثالث عرضت على مؤسستي أن أشارك باسمها و أن تثق بي و وعدوني بذلك ولكن لم يهتموا و ظني بأنهم لم يشاركوا، الى أن جاء هذا العام صممت في العطلة على أن أشارك و اطلب ذلك فور افتتاح السنة و شاركت، ليس لأنني اريد ان أشارك فقط بل لتحدي ذاتي و تحدي كلمات من بعض الشباب عن المرأة و قدراتها فأحببت أن أريهم من هي المرأة الموريتانية من خلالي.
رؤيا بوست: وكيف تعيشين هذا التحدي؟
أم النصري: عشت التحدي بكل إيجابية و تقبل للنتيجة أيا كانت، مع تقبل الجميع.
رؤيا بوست: هل تعتبرين التفاعل الواسع والتشجيع من قبل الجمهور الموريتاني عامل قوة أم عبئا عليك؟
أم النصري: فرحت جدا بهذا التشجيع و التثمين لما قمت به، و أعتبره عامل قوة لي و عبئ في الآن معا، ليس في مسابقة التحدي فقط _ففي عالم المعرفة والكتب ليس هناك خاسر_ بل في قادم الأيام و فيما سأقدمه لهذا الوطن و في حملي لرايته و عطائي المستقبلي، مع انني أتمنى الفوز هذا العام و رفع رايته عاليا كما رفعتها حين وصولي لهذا المحفل.
رؤيا بوست: هل صادفك كتاب كان أفصح ما فيه بياضه كما يقال؟
أم النصري: نعم لقد صادفني كتاب كاتبه حاصل على درجة الدكتوراه باستطاعة طفل أن يضحك من اُسلوب إقناعه و عرضه لأفكار لا يأخذها بعين الاعتبار الا من يريد أن يضحك على نفسه!.
رؤيا بوست: كيف تشعرين عند قلب الصفحة الأخيرة من الكتاب؟
أم النصري: هناك كتب حين أقلب آخر صفحة فيها أكاد أبكي لأنني سأفارقها، و ألوم الكاتب على الصفحات المحدودة بنظري، و هناك كتب تصفعني صفحتها الأخيرة لاختلال موازنة الكاتب و خروجه عن الموضوع فتحرق علي الجمال الذي نهلت منه في أول الكتاب و لا أندم على انتهائه مع عدم ندمي على قراءته لأنه بدون شك أضاف لي، وقلب الصفحة الأخيرة باختصار يعني لي بدأ سعادة جديدة مع كتاب آخر.