المستعرضغرافيتي

سقوط أول طائرة عسكرية موريتانية ..حين بقيت سمائُنا على عاتق رجل

رؤيا بوست: لم يتم إفراد حيز هام للحديث عن أول كارثة طيران موريتانية والتي تجسدت في سقوط  طائرة عسكرية موريتانية خلال إرهاصات تشكيل الجيش الجوي في العام 1972 حملت على متنها الدفعة الأولى من الخريجين في تاريخ الطيران العسكري بالبلاد.

رؤيا بوست تناولت هذا الحدث التاريخي مع قرب العيد السنوي لإنشاء الجيش الجوي في فاتح اكتوبر .

كان سيدي محمد ولد عبد القادر الأخ الشقيق للكولونيل محمد ولد اب ولد عبد القادر المعروف ب”كادير” شابا متقد الذكاء، سريع البديهة، قدم من النعمة في اقصى الشرق وتمكن من الالتحاق بالعسكرية، واختار التكوين في مجال الطيران الحربي الذي اتقنه بسرعة حيث تخرج طيارا وبدأ رفقة زملاءه اللذين من بينهم رفيقه في السلاح جابيرا الانخراط في مجال الطيران ضمن بيئة لا تتوفر على أية مقومات لوجستية للتأمين أو الإنقاذ، دولة ناشئة لا تتوفر على مطارات أو حتى مدارج أو ابراج، صحراء قاحلة ومدن من الرمال .

كان الفتى سيدي محمد ولد عبد القادر ذي ال23 سنة يحلم مع زملاءه  بوضع اللبنات الأولى للجيش الموريتاني مع إرهاصات تأسيس الدولة الموريتانية التي تحتاج لجيش قوي يحمي حوزتها ويدافع عن استقلالها.

لكن المنية سارعت إليهم الخطى خلال رحلة تدريبية اعتيادية حملت الطاقم الموريتاني الوحيد متوجها إلى ازويرات في اقصى الشمال الموريتاني، ولم يهبطوا بسلام.

صورة نادرة للشهيد سيدي محمد من الدفعة الأولى للطيارين وللأسف لم نحصل على صور من زملائه في الفاجعة 1972

سقطت الطائرة ….

في مارس 1972 عاد “كادير” إلى نواكشوط وبحوزته شهادة نقيب طيار، و منذ هذا اليوم تغير واقع الطيران الحربي بموريتانيا، كان الطيران الموريتاني في ذلك الوقت يحوي طائرتين من نوع Douglas-dc4 وطائرة  Douglas-dc3  وطائرة استطلاع من نوع Broussard  وطائرة من نوع Cesna فقط لكن العزيمة كانت أقوى من أي عتاد.

في يوم من شهر اوت 1972 كل ما لدى الطيران الموريتاني من طاقم ستة أفراد من بينهم ضباط تقنيين صعدوا على متن طائرة DC-3 في رحلة تدريبية نحو ازويرات ووقع الحدث المؤلم ولم يبقي سوى قائد المديرية الذي كان مريضا ولم يسافر في تلك الرحلة التدريبية لكنها لم تنهي احلام تأسيس جيش جوي موريتاني.

dc-3

رغم الصدمة بوفاة شقيقه الوحيد ومعاونيه من باكورة الطيارين الحربيين الموريتانيين ظل عبد القادر رحمه الله يتمسك بالأمل والإيمان لتأسيس جيش جوي من العدم.

وكان من أصعب المواقف عندما ألحت عليه والدته أن يغادر الجيش لأن شقيقه الوحيد توفي ولم يبقى لها سوى هو، إلا أنه استجاب لنداء وطنه وضميره رغم أنه بات الطيار الوحيد في البلاد.

هكذا بقيت سماء نواكشوط على عاتق رجل وحيد: ، فما يكاد يقلع بطائرة Cesna حتى تراه يهبط ب   DC-4كما يقول المراسل الحربي عبد العزيز الدحماني .

يداعب الغيوم بحركات بهلوانية في السماء نهارا، وفي الليل غالبا ما تراه يتفقد حالة الطائرة وهي رابضة على المدرج.

في 1974 خاطب الرائد كادير الحكومة الموريتانية بشأن اقتناء طائرات حربية وتكوين تقنيين في مدرسة عسكرية للطيران بإشراف منه، وهو ما وافق عليه الرئيس المختار ولد داداه فورا، حيث تم اقتناء طائرتين من نوع Skyven الإيرلندية.

ويتميز هذا الطراز من الطائرات بإمكانية الإقلاع والهبوط في مدرج صغير وليس بالضرورة أن تكون المدارج ملائمة ما يجعلها تتماشى مع البيئة الصحراوية.

قام كادير على الفور باكتتاب 10 طيارين وارسلهم إلى دبلن ضمن اتفاقية اقتناء الطيران للتكوين على طائرات Skyven.

أول عرض عسكري للطيران الحربي الموريتاني 1975

من شدة العمل والإرهاق اصبح وقت مدير الطيران الحربي مشحونا خاصة مع رحلات عمل إلى إيرلندا وتسيير مديرية الطيران ما جعله يتعاقد مع رائد طيار فرنسي متقاعد يدعى Jilbert Benzoni جيلبير بنزوني وهو ما سمح له بالتوجه لبريطانيا لمدة شهرين من أجل الإشراف على تكوين الطيارين و تلقي تكوين ذاتي.

تزامنت عودته مع العيد 15 للاستقلال 28 نوفمبر 1975، ولأول مرة في تاريخ موريتانيا تقوم طائرات حربية موريتانية باستعراض عسكري في سماء نواكشوط ابهر الجميع وبعث برسالة واضحة تقول بأن الجيش الجوي الموريتاني قد ولد بالفعل.

وشاء القدر أن الطائرات الحربية تم اقتنائها في وقت حساس قد تزامن مع نشوب حرب الصحراء بعد اسبوعين تقريبا من ذلك العرض العسكري حيث اجتاحت البوليزاريو شبه جزيرة لكويرة في 9 ديسمبر وتم جلائهم في 19 من نفس الشهر في معركة عسكرية موريتانية خالصة قادها الرائد كادير في آخر لحظة.

قررت موريتانيا استدعاء التلاميذ الضباط في الخارج، وشاء القدر أن ثمانية من عشرة عسكريين كانوا يتلقون تكوينا في الجزائر بمدرسة تشرشل العسكرية لمدة اربعة سنوات، ولكن الجزائر الداعمة للبوليزاريو منعتهم من العودة  لنواكشوط فماذا فعلت موريتانيا.

يتواصل

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق